للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

انه ليس لأحد أن يحرم المرأة شرف الجهاد، وأنها هي والرجل سواء في المطالبة به، كل بحسب استعداده واختصاصه: فالرجال للقتال والمرأة لتمريض الجرحى والعناية بشئون الجيش من نحو إسقاء وإطعام وغسل وخياطة. . .

ثم هي مع ذلك كله تحمس المقاتلين وتبصرهم العواقب السيئة التي تنتظرهم في أنفسهم وحرمهم إذا هم تهاونوا في الدفاع.

وللمرأة العربية في هذا الميدان الموقف المحمود الذي لا يجاري، كانت فيه مضرب الأمثال بشجاعتها وحسن بلائها وأخلاصها. وعلى هذا درجت في جاهليتها من قبل أيضاً فكان إليها في الحروب التمريض والعناية بالجرحى وسقى الماء وتحميس المحاربين.

جاء الإسلام ففتحت عينيها - لما أظلتها رايته - على رجال غير الرجال، ومجتمع غير المجتمع، ودين غير الدين، فكانها نشطت من عقال، فشمرت عن ساعدها، وأخذت من هذا الدين الجديد نصيبها الأوفى، وكان شكرها لله على نعمته هذه شكراً عملياً:

قاست في أوله ما قاسى الرجال من عذاب وهجرة واضطهاد وأذى، ثم انتظمت في صفوف المقاتلين إعلاء لكلمة الحق، وذوداً عن دين الله ورسوله، فقاسمت الرجل شرف الجهاد وآبت بثوابه وكرامته، وليس بعد بذل الروح غاية في الشكران.

صحب رسول صلى الله عليه وسلم النساء في مغازيه، وأبلين معه البلاء الحسن، فكن نعم المعينات للمحاربين: يداوين جرحاهم ويحملن الماء في القرب يسقينهم، ويتعهدن أطعمتهم وملابسهم وقربهم، وكن حين الحاجة يمارسن القتال.

ثم تتابعت المواقف المأثورة للمرأة من بعد الرسول، ولن ينسى أحد جهاد خولة بنت الأزور أخت ضرار في فتوح الشام وحسن بلائها في الروم، ولا موقف الخنساء في يوم القادسية وكانت واحدة من كثيرات:

ذكر الطبري أن أم كثير امرأة همام بنت الحارث النخعي قالت: (شهدنا القادسية مع سعد (بن أبي وقاص القائد العام) مع أزواجنا، فلما أتانا أن قد فرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهراوي ثم أتينا القتلى: فما كان من المسلمين سقيناه ورفعناه، وما كان من المشركين أجهزنا عليه، وتبعنا الصبيان نوليهم ذلك ونصرفهم به).

وإذا كانت هذه الوقعة من الخطر بحيث أنها هي الفاصلة بين العرب والفرس، وأنها لها ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>