(كانت تغنى دائماً وتطرب أبدا؛ فقد كانت فتاة لم تبخل عليها الشمس بالسناء البهيج، ولم ينقصها الله حظها من الجمال البديع.
(وهناك كان (جيوفانى)؛ فقد كان يغدو كل صباح على وكرها الجميل حيث تنمو الزهور الصفراء ذات القلوب الوردية؛ فكانت دائماً ترشقه بأوراقها وقلوبها من وراء النافذة الصغيرة؛ فيضنى الفتى في الجد نفسه، ويكلفها في العمل شططاً. ولكنه كان يفنى ويفنى. أو لم يكن كل ذلك من أجلها؟
(وكثيرا ما كانت عنزاتها تعدو على كرمه وقت دلوك الشمس، فيسوقها أمامها إلى المنزل وهما يضحكان وينشدان، وقد اخذ كلاهما بذراع صاحبه، والشمس قد أرسلت عليهما - من وراء الجبال - أشعتها الذهبية فانعكست على مياه البحيرة، أو يسيران معاً وقد تلطفت أشعة الشمس من بعد توهج فيهيئ لها تاجا من الزهر مفتن في تنسيقه، متأنقا في ترصيعه؛ فتتقبعه وهى تضحك ضحكات مرحة.
(كانا كطفلين رعتهما العناية يا سيدي وغفل عنهما الدهر: فكثيرا ما كانا ينفقان الليل سامرين جالسين إلى البحيرة؛ يناقلها أحلامه، ويفضي إليها بأمانيه؛ بينما تنثر ذوائب شعرها الجميل على خده الأسمر نسمات لطيفة وانية، والقمر قد أرسل إليهما قبلاته، وانتظمت أشعة البحيرة، فبدا الماء طريقا من لجين يصل بين الشاطئين.
(وكان الناس يرددون من أمرهما أن زواجهما يتم في موسم جني العنب. وقد كان كذلك يا سيدي، لولا أن بدت قوة جديدة في أفقهما: تلك هي الكنيسة!
(وأكبر الظن أن ليس بين الناس من يدري أني تتحكم هذه القوة الطاغية في قلب فتاة غضة الجسم، ريقة الشباب. لقد هتكت صدرها رغبة ملحة أن تنضوي تحت لواء الكنيسة وتدخل ذلك الدير القائم خلف البحيرة؛ تاركة دفيء الشمس وراءها وضياءها.
(لم تكن تريد أن تذهب! وكان هذا التناقض بديعاً أليماً في وقت معاً. هذه الفتاة الغضة الحسناء، تلوح كأنما هي جزء من ضوء الشمس، وعبير الزهر، وشدو الطيور؛ كان عليها أن تجعل من دون ذلك حجابا كثيفاً فتوصد عليها باب الدير العتيق!
(أما جيوفانى فقد جن جنونه، وطار عقله شعاعاً. لا بأس عليه في ذلك ولا جرم. فقد كان