(ووقفت سيارة السفير البريطاني أمام الباب الملكي، ونزل منها السفير وقائد القوات البريطانية يتقدمهما ثمانية ضباط يحملون المسدسات في أيديهم
(وتقدم رجل التشريفات يسألهم: إلى أين هم ذاهبون؟ فدفعه السفير البريطاني بيده وقال له:
- أنا أعرف طريقي!
(وفي هذا الوقت هجم الجنود البريطانيون على حراس قصر عابدين فجردوهم من السلاح، وحاصروا القشلاق الملكي، وأراد أحد الحراس أن يقاوم القوة بالقوة، فتكاثر حوله الجنود الإنجليز وأصيب بكسر في يده أثناء المقاومة
(وفي هذا الوقت نفسه كان الجنود الإنجليز قد حاصروا جميع ثكنات الجيش المصر، وصوبوا إليها المدافع، واستعدت الطائرات البريطانية لنسف جميع ثكنات الجيش المصري إذا هو قاوم!
(وحاصر الجنود الإنجليز كذلك مراكز البوليس. . . وقطعوا جميع الأسلاك التليفونية الموصلة إلى القصر الملكي!! وحاصروا أيضاً محطة الإذاعة!
(كل هذا لكي لا يعرف الشعب في ماذا يجري في قصر ملكة!)
هذا هو الوصف المادي المحسوس للمأساة. يفور له الدم في العروق، وتهتاج له الأعصاب في الأجسام، وينبض له كل قلب بالنقمة والغضب والحماس. . .
فكيف تلقته الصحافة الحزبية في مصر الممثلة للأحزاب المصرية في عصر الأقزام؟ راحت الصحف الوزارية تتهم النحاس باشا بالخيانة الوطنية، دون أن تمس السادة الإنجليز إلا في حذر ومن وراء ستار!
وراحت الصحف النحاسية تتهم الوزارتين بالتلفيق والتزوير، وتنتحل للسادة الإنجليز كل عذر في موقفهم هذا الغشوم. فهم قوم في حرب حياة أو موت، وهم يريدون الاطمئنان إلى أنهم لن يطعنوا في ظهورهم، وهم قوم محرجون، معذورون فيما صنعوا، مبرئون فيما يصنعون!