أحس بألم من رأسه، فاستقر في وهمه أن الرأس مكان الفكر، وأن الصدر محل العاطفة والحب، والله أعلم!
ولما سمعت البشرية ووضع علم النفس، وأقاموه على التفريق بين الحياة الانفعالية القائمة على اللذة والألم، والحياة العقلية المبنية على المحاكمة، والحياة الفاعلة المتعمدة على الإرادة، وليس معنى هذا أن لكل من هذه الحيوات حدوداً تحدها، ومنطقة هي لها لا تتخطاها، لا وليس هنالك عاطفة خالية من العقل، أو عقلا لا عاطفة معه إنما نسمي كلا بالغالب عليه والظاهر فيه، فالقضية المنطقية (المحاكمة) من العقل، الإنسان حيوان، وسقراط إنسان، فسقراط حيوان، هذه مسألة عقلية، لكنك قد تصل بها إلى نتيجة موافقة، تأتي بعد طول بحث عنها فتقترن بها لذة، واللذة مسألة عاطفية - واللذة بالشعور بالجمال مسألة عاطفية ولكنهها لا تخلو من محاكمة - خفية هي أن كل جميل يلتذ به وهذا جميل فهذا يلتذ به، أو أن المنظر الفلاني لذني لأنه جميل، وهذا قد لذني، فهذا جميل.
وإذا نحن فرقنا بين العاطفة والعقل بهذا الاعتبار. وجعلنا كل حادثة نفسية تقوم على اللذة والألم من العاطفة، وكل حادثة تعتمد على المحاكمة من العقل، وجدنا أعمال الإنسان كلها تقوم على عواطف، ووجدنا العقل، وأعني المحاكمة المنطقية الواضحة لا الخفية أضعف الملكات الإنسانية وأحقرها وأقلها خطراً في نفسها، وأثراً في حياة صاحبها، وليعرض كل قارئ أعمال حياته يجدها كلها عواطف تسيره، ووجد أنه قل أن يعمل عملا، أو يسير خطوة بهذا العقل المنطقي الجاف.
ولا بد من تحديد معنى (الذهن)، فماذا يريد به الأستاذ قطب؟ أما فأطل العقل وأريد به القضايا العقلية المسلمة المتفق عليها، كاستحالة اجتماع النقيضين، وكمبدأ أن الشيء هو ذاته، فهذه البديهيات هي أول ما يراد العقل، ومن هنا نقول مثلا إن ديننا الإسلامي لا يناقض العقل ولا يخالفه، أما الذهن فأفهم منه أنا العقل الفردي، وليس كل ما تعقله في ذهنك يجب أن يكون صادقاً أو صحيحاً، لاحتمال الخطأ في الاستدلال، والاختلاف الذهنيين في القضية الواحدة، مع ادعاء كل منها أن حكم العقل معه.
ولا بد أيضاً من التفريق بين خير العواطف وشريرها، فالشفقة على الفقير، والإقدام على إنقاذ الغريق عاطفة خير، ولكن الغضب المؤدي إلى العدوان، والحب الموصل إلى الرذيلة