يطرح اللبن المغشوش في الأرض تأديباً لصاحبه، وقد روى عن مالك أن المستحسن عنده أن يتصدق به إذ في ذلك عقوبة الغاش بإتلافه عليه، ونفع الفقراء بإعطائهم إياه ولا يهراق.
ولأن التعزير راجع إلى اجتهاد الفقهاء - اختلفوا فيه على أقوال أربعة:
الأول: أنه لا يزاد فيه على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره.
الثاني: أنه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود: إما أربعين. وإما ثمانين، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد
الثالث: أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على الشتم بدون القذف - حد القذف. وهو قول طائفة من أصحاب أحمد والشافعي.
الرابع: أنه بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيجهد فيه ولي الأمر، ويبدو لنا أنه أعدل الأقوال، وأولاها بالقبول
ومع سعة التشريع الإسلامي ومرونته، وتركه تقدير العقوبات على الجرائم للاجتهاد بحسب المصلحة، واختلاف الأزمنة والأحوال - فيما عدا الحدود - تجرأ بعض الولاة والحكام. وكثير من الحكومات الإسلامية في عصور مختلفة، وفي عصرنا هذا على وضع القوانين مقتبسة ومأخوذة من القوانين الأوربية متوهمين أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، ولا بسياسة الأمة، فتعدوا حدود الله وخالفوه في كثير من أحكامه وأوامره، وهو خطأ - لعمر الحق - عظيم، فإن الله تعالى أوجب على الحكام القيام بالقسط مع مراعاة ما بينه من كليات الشريعة، ومبادئها وأصولها، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع حكمه أين كان، وبأي دليل صحيح كان، كما قال ابن قيم الجوزية، فليتدبر هذا أولو الأمر من الحكومات والعلماء. وليعلموا أن الشريعة الإسلامية تسع كل ما يقر العدالة، وينشر ظلالها على الناس، فوجب جعلها الدعامة الأولى، والأساس الأول في تشريع القوانين، مدنية كانت أو جنائية من غير أن نحظر في الأحكام الاجتهادية الاقتباس من القوانين الحديثة. مما يناسب أحوالنا وأخلاقنا، ولا يخالف أصول شريعتنا. والله الموفق للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد