من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعر؛ فقلت: من هذا؟ فقالوا حماد الراوية.
ويقول أبو الفرج (ص ١٧٣): (قال حماد الراوية: أرسل إلى أمير الكوفة فقال لي: قد أتانا كتاب أمير المؤمنين الوليد ابن يزيد يأمرني بحملك. فحملت، فقدمت عليه وهو في الصيد، فلما رجع أذن لي، فدخلت عليه وهو في بيت منجد بالأرمني أرضه وحيطانه. فقال لي: أنت حماد الراوية؟ فقلت له: إن الناس ليقولون ذلك. قال. فما بلغ من روايتك؟ قلت: أروي سبعمائة قصيدة أول كل واحدة منها: بانت سعاد. فقال: إنها لرواية). وواضح أن هذه القصة وقعت قبل تلك القصة التي كانت لحماد مع الوليد أيضاً، والتي تقدم ذكرها. قد قدمنا تلك القصة على هذه لاشتهارها وورودها في معظم كتب الطبقات فقد كان حماد إذن مشهوراً بكثرة الحفظ والرواية. وهي شهرة هو جدير بها وحقيق. فليس عهدنا بالمعاصرين أن يتزيدوا على المرء بالفضل والسبق، وإنما عهدنا بهم أن يحطوا من قدره ويهونوا من أمره.
(ب) جمعه المعلقات السبع ورواية معظم شعر امرئ القيس
في نزهة الألباء للأنباري (ص ٤٣) وفي معجم الأدباء (ص١٤٠)، وفي وفيات الأعيان (ص٢٤٠) أن أبا جعفر أحمد ابن محمد النحاس ذكر أن السبع الطوال من جمع حماد الراوية؛ وفي نزهة الأباء ومعجم الأدباء وحدهما أنه لم يثبت ما ذكره الناس من أنها كانت معلقة على الكعبة.
أما أن العرب الجاهليين لم يختاروا المعلقات ولم يفضلوها على غيرها من الشعر، فهذا ما لا نستطيع الأخذ به. ذلك لأننا لا نرى مانعاً من ذلك. فالعرب الجاهليون قوم شغلوا بالشعر، فقالوه، ورووه، وأقاموا الأسواق لإنشاده ونقده. وقوم هذا شغلهم بالشعر لا يصعب عليهم تفضيل بعضه على بعضه واختيار بعضه دون سائره.
فالمعلقات إذن قد تكون من اختيار العرب القدماء. وهو ما لا يراه ابن النحاس النحوي المصري. ويؤيدنا في رأينا هذا ما يقوله ابن النحاس نفسه من أن حماد الراوية. لما رأى قلة من يعنون بالشعر، جمع هذه القصائد السبعة. وحث الناس على درسها، وقال لهم: هذه هي المشهورات. ولفظ المشهورات هنا هو بيت القصيد. فهو يدل على أن القصائد السبع