المجتمعات المختلفة، وحبذا لو فهم جميع علمائنا الآخذين من الثقافة الغربية مناهج علومهم صحيحا ثم حاولوا بعد ذلك أن يدرسوا نواحي جديدة وهم مسلمين بأسس الدراسة الصحيحة، إذن لظهرت ذاتيتهم ورأينا مؤلفات تقف بجانب مؤلفات الغربيين في ميدان التفاخر لا كما نرى الآن صورا مشوهة من مؤلفات الغربيين نقول إن أستاذا قد استوعب جميع النواحي حين أراد أن يكتب مؤلفه. وتسلح بالمنهج الصحيح لعلم الاجتماع وهو منهج ذو شعبتين: الشعبة الأولى تتناول الظاهرة الاجتماعية من الناحية الوصفية فتبين تاريخها وتطورها وخصائصها وأشكالها، والشعبة الثانية تتناولها من الناحية التحليلية فتحاول على ضوء الدراسة الوصفية تحليل ما بها من حقائق، وتوازن هذه الحقائق بعضها ببعض إلى أن تصل إلى بيان دعائمها العامة، وبالتالي إلى كشف القوانين التي تخضع لها. فكشف القوانين هو غاية العالم، لقد التزم أستاذنا الدقة في تطبيق هذا المنهج في مؤلفه الذي بين أيدينا، فتكلم في الفصل الأول عن أهلية الشخص للمسؤولية فبين أنه ليس فقط الإنسان الحي العاقل الرشيد الذي لا يكون شخصا معنويا كما تقول بذلك قوانينا الحديثة؛ بل إن هناك مسؤولية لغير، فالمجتمع لا ينظر في تقدير الجزاء وأهلية الكائن نفسه، بل إلى الجريمة ومدى قوتها ومبلغ اعتدائها على نظمه الأساسية وأثرها في حياته العامة. وفي الفصل الثاني يتكلم عن الحالات المولدة المسؤولية، فبين أن المسؤولية لا يشترط فيها كما تقول القوانين الحديثة أن يرتكب الكائن جرما ماديا وأن يكون هذا الجرم المادي قد حدث عن قصد وإرادة. بل إن هناك مسؤولية تنشأ عن عمل نفسي بحت وأخرى عن عمل مادي بحت وثالثة عن عمل لم يقصده الكائن ولم يصدر عنه بالملابسة بل بالانتقال، ويخلص من هذا الفصل بحقيقتين: إحداهما أن المسؤولية الفعلية وما يترتب عليها من جزاء يتولدان عن حدوث ما يرى المجتمع أنه لا يصح حدوثه بقطع النظر عن الصورة التي حدث بها الجرم. والثانية أن المسؤولية الفعلية وما يترتب عليها من جزاء لا تقعان إلا على كائن يمت إلى الجريمة بصلة ما سواء قصدها وأحدثها، أو قصدها فقط ولم يحدثها، أو أحدثها ولم يقصدها أو انتقلت إليه من كائن يمت إليه بصلة ما. . . وفي الفصل الثالث يتكلم عن نظريات المسؤولية والجزاء ويناقشها، ولا يتسع المقام هنا لإعطاء صورة هذا النقاش ولكنا نحب أن نذكر أن أستاذنا قد فند القول بالنظريات الفلسفية والنظريات التاريخية وخلص من