ذلك إلى الدعائم الصحيحة للمسؤولية والجزاء وهي التي تكلم عنها في الفصل الرابع ويلخصها في أن سبب المسؤولية هو حدوث ما يرى المجتمع أنه لا يصح حدوثه، وأن العقوبة تتجه نحو الجريمة نفسها والمجتمع في إصابته للمجرم إنما يتجه نحو الجريمة نفسها وان الوظيفة الاجتماعية للمسؤولية والجزاء هو أن تصان حياة المجتمع وتظل حدوده بمأمن من الاعتداء، ولكل مجتمع منهجه الخاص في تحقيق هذه الوظيفة.
هذه خلاصة - لا أزعم أنها وافية - لفصول الكتاب، ولا أدعي أنها تغني عن قرأته، وضح لنا منها أن المسئول ليس الشخص الذي تعرفه قوانيننا الحديثة بأنه الحي العاقل. . . الخ بل إن بعض المجتمعات قد أوقع مسئولية على الجماد والحيوان الميت. . . الخ ولا غضاضة في ذلك فلسنا هنا بصدد أحكام قيمية ولكنا بصدد تسجيل ظواهر ارتضاها العقل الجمعي في وقت من الأوقات. فنظم المسؤولية والجزاء - كغيرها من النظم الاجتماعية - ليست من صنع الأفراد ولكنها (تنبعث من تلقاء نفسها من العقل الجمعي واتجاهاته وتخلقها طبيعة الاجتماع وظروف الحياة، وتتطور وفق نواميس عمرانية ثابتة لا تستطيع الأفراد سبيلاً إلى تغييرها أو تعديل ما تقضي به، وإن القادة والمشرعين ليسوا من هذه الناحية إلا مسجلين لاتجاهات مجتمعاتهم ومترجمين عن رغباتها وما هيئت له فإن انحرفوا في هذا السبيل كان نصيبهم الإخفاق المبين).
بقي سؤال وهو: هل القول بالعقل الجمعي يتضمن القول بالجبرية المطلقة وبذلك يتعذر الإصلاح؟ كلا إن (مجال الإصلاح في هذا النظام أوسع منه في أي نظام آخر) ولا شك أن إصلاحا يقوم على فهم لميول المجتمع ورغباته ويسير به سيرا حثيثا إلى الرقي لهو أنفع وأجدى من إصلاح جل همه التقليد ثم الارتجال بدون دراسة لعقليات المجتمع ويكون مصيره الفشل. فعلماء الاجتماع لا يقفون بعلمهم موقفا عقيما لا يقصدون به سوى الدراسة واستخلاص القوانين، بل إنهم في دراستهم هذه إنما يدعون عون القادة والمشرعين والمصلحين إلى التعمق في معرفة عقلية المجتمع وميوله ومقدار استعداده لتقبل الإصلاح وإلا ذهبت جهودهم أدراج الرياح
وبعد، فان كتاب المسؤولية والجزاء خليق بأن يقرأ وبأن يكون هدى وتبصره لمن يريدون الإصلاح المنتج.