ولو رجعنا إلى سر هذه البلية كلها لوجدنا أن (علا في الزمان جدك) هي تفسير هذه الأبيات أو تفسير تلك النكبات، وإن الزرافة التي عند (ملك البربر) هي التي أدخلت نسب الرجل في سلاله بني إسرائيل.
فالخطر يا صاحبي على الفلاسفة من الدنيا لا من الدين، ومن الخاصة الحاسدين لا من العامة الغافلين
وما خطب العامة والفلسفة وهي لا تصل إليهم وهو لا يصلون إليها ولا تنعقد بينهم وبينها علاقة نظر ولا علاقة سماع؟
فإذا تحرك العامة فابحث عن (الصلة) بينهم وبين القضية فلن تجدها في أكثر الأحوال إلا نكاية حاسد أو وشاية جاحد أو حجة ظالم يستر ظلمه للفلسفة بدعوى الإنصاف للدين، وإن الدين منه لبراء.
واعلم يا صاحبي أن العامة في كل زمان وحش محبوس لا ينال فريسته إلا بعد تحريش وانطلاق، وإن الذين يحرشونه ويطلقونه هم أصحاب الدنيا وعروضها وليسوا بأصحاب العقائد وفروضها. إلا في النادر الذي يحسب من الاستثناء.
وما أصدق المعري حين قال متسائلا: ما للناس ولي وقد تركت لهم دنياهم!
فانه لمس الداء في أصوله حين حسب أن ترك الدنيا يتركه في أمان، وقد تركه فعلا في أمان إلا من القيل والقال، وهو أهون ما يمر بالرجال.
تفلسف يا صاحبي كما تشاء ودع الناس يتفلسفون كما يشاءون فما دامت فلسفتك لا تصيب أحداً في دنياه ولا تفيد أحداً في دعواه، فأنت ظافر برضوانهم وظافر عندهم برضوان.
أما إذا أصبت دنياهم ونقضت دعواهم فيا ويلك إذاً من الأرض والسماء، ويا سوء ما تلقاه من العلية والدهماء، ولو زكاك النبيون وشهد لك الأولياء، ولزمت الصلاة والدعاء في كل صباح ومساء.
ومالك تذكر الخطر على الفلاسفة ولا تذكر الخطر على حماة الدين من الأنبياء والمرسلين؟ فهم الذين علموا الناس الأديان وهم الذين يثار الناس باسمهم حين يثارون على الفلاسفة ومن يزعمونهم من أهل النكران والجحود، ولو وزنت حظوظهم من البلاء والاستهزاء ووزنت معها حظوظ الفلاسفة والمتفلسفين، لما حارت (شركات التأمين) بين أصحاب