للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وابن رشد جمع على نفسه بين حسد الوجاهة والنباهة وبين سخط العظماء ونكاية ذوي السلطان.

شرح كتاب الحيوان لأرسطو وهذبه وقال فيه عند ذكره الزرافة (رأيتها عند ملك البربر). . . وكان إذا حضر مجلس المنصور وتكلم معه أو بحث عنده في شئ من العلوم يخاطب المنصور بأن يقول: تسمع يا أخي! ولا يخاطبه بألقاب الملوك والخلفاء.

فجزاه (ملك البربر) دقة بدقة ونكاية بنكاية، ورآه يستكثر عليه أن ينسب إلى العرب أو يسمى بخليفة المسلمين فقال له: بل أنت الدخيل على أمة العرب وملة الإسلام فيما صح لدينا من الأنساب التي لا تقبل الكلام!

وهكذا أصبحنا (خالصين)!. . .

وأصبح (محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد) يستر وراء هذه الأسماء سلسلة من أسماء بني إسرائيل، ونفوه إلى محلتهم في جوار قرطبة لأنه دسيسة على المسلمين من سلالة اليهود الذين يفتنون أتباع محمد بفلسفة اليونان!

ولولا تلك المقابلة في الإساءة والانتقام لجاز أن يلتصق هذا الظن بالرجل وإن لم يقم عليه دليل أو قام الدليل على نقيضه، لأن أعدى أعدائه الشامتين به في نكبته قد نفي هذه الدسيسة عن نسبه وشهد لجده بالتقوى والصلاح حيث قال:

لم تلزم الرشد يا ابن الرشد ... لما علا في الزمان جدك

وكنت في الدين ذا رياءٍ ... ما هكذا كان فيه جدك!

ومَن قائل هذه الشهادة في جده؟ هو الحاج أبو الحسين بن جبير الذي جعل من أهاجي ابن رشد أغنية يرتلها ويعيد ترتيلها على اختلاف القوافي والأوزان. فقال في تلك الأهاجي الكثيرة!

ألان قد أيقن ابن رشد ... أن تواليفه توالف

وقال:

كأن ابن رشد في مدى غيه ... قد وضع الدين بأوضاعه

وقال يحرض على قتله:

وقد كان للسيف اشتياق إليهمُ ... ولكن مقام الخزي للنفس أقتل

<<  <  ج:
ص:  >  >>