وكان يحضر درسه من الأكابر وعلية القوم من يقدرون فضله، ويغضون عن سقطاته، فاستتم الدرس ذات يوم، وقال فجود، فلما هم القوم بالانصراف استأناهم، وسألهم أن يمضوا معه على خيولهم ففعلوا، وهو سائر على قدميه يأبى أن يركب، فلما بلغوا ما شاء وقف عند إحدى الخرائب، واطل من بعض الكوى، ونظر الجماعة فإذا أستاذهم يواثب كلبا، والكلب يواثبه تارة ويهرب منه أخرى حتى أعياه، فعاونوه، وأمسكوا الكلب. فجعل يعض الكلب عضاً شديدا، والكلب يعوي ويتململ، فما تركه حتى اشتفى
ثم نظر إلى الجماعة وقال: هذا عضني بالأمس، فأردت أن أخالف فيه قول الأول:
شاتمني كلب بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضا؟
هأنذا أعض الكلب إن عض!
ذلك هو علي بن عيسى الربعي المتوفى سنة ٤٢٠هـ
كامل السيد شاهين
حول نشر تراث المعري:
قابلت البيئات الأدبية والفلسفية مشروع - نشر تراث أبي العلاء - مفخرة الفكر العربي - بكل ما يستقبل به العمل الواجب المثمر من حفاوة وتشجيع؛ فلم يعرف التاريخ الإسلامي شخصية دق حسها وعمق تفكيرها واتسع نطاق ذهنها وغزرت معارفها وكثر محصولها من اللغة: فقهاً ونحواً وصرفاً وعروضاً كتلك العبقرية النادرة؛ ولكنه ويا للأسف قد لعبت أيدي الإهمال بهذا الكنز الثمين الحافل فاستتر عن الأعين بعضه ولم يسلم ما تبقى من عبث التشويه والتحريف مما جعل استثمار هذا الإنتاج عسيراً شاقاً؛ فما كاد يذاع نبأ جمع هذا التراث وتنظيمه وتنسيقه وتقديمه نقياً من الشوائب حتى استبشرت النفوس وأثلجت الصدور لبعث أبي العلاء - كما يجب أن يكون في تلك البيئات؛ وتسابقت الآمال للأخذ من مناهل - الشيخ - وقد طهرت مواردها، واشرأبت العيون إلى إنقاذ آثار زعماء الفكر العربي. حتى قال الأستاذ - أحمد أمين بك - يجب أن نعرج على - ابن خلدون - بعد تقديم - أبي العلاء - فانتظرنا طلوع فجر ذلك اليوم الذي نحظى فيه بأولى ثمرات هذا