شريفا ولا وضيعا؛ ثم يأتي بريح طيبة تنعش الناس كذلك، لا يعرف في شيء من ذلك محاباة، ولا يعرف طبقات، ولا يعرف أي نوع من أنواع التفاوت التي تواضع عليها الناس، يرسل في الصيف شواظا من نار فيدخل على الأمير في قصره، وعلى الفقير في كوخه، فلا يهاب عظيما، ولا يحتقر وضيعا، ويرسل في الشتاء برده القارس فلا يستطيع أن يتقيه الغني بصوفه وملابسه، ولا بمدفأته وناره؛ كما لا يتقيه الفقير في عدمه وبؤسه؛ ثم تطلع شمس جميلة، ويعتدل الجو، فتحتضن الطبيعة الناس على السواء وتكون لهم جميعا أما حنونا، مشفقة بارة_أن تحدث الباشا أو البيك في نفسه بأنه فوق طبقات العامة، وانه يستطيع في شرع العرف والعادة أن ينعم بما لم ينعموا، فتفسح له الطريق، ويخلى له السبيل، وتفتح له أبواب المجتمعات، ويعامل أولاده وأقاربه بما لا يعامل به الفقراء، فلن تحدثه نفسه أن يمتاز من الفقير في حر ولا برد، ولا نور ولا ظلام، فان أخطأ فيذلك وظن انه يغالب الطبيعة في شيء من قوانينهافعتهفعة أمن بعدها بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأدرك انه أن علا الناس بماله أو جاهه، وان تلاعب بأوضاع النام لسخف الناس، فهو أمام أوضاع الطبيعة حقير ذليل.
ثم يأتي القدر فينثر نعمه ونقمه، وشره وخيره على الناس جميعا، فصحة في الأغنياء والفقراء، وشره وخيره على الناس جمنعا، فصحة في الأغنياء والفقراء، ومرض في الأغنياء والفقراء. وتجد غنيا فاتر القوى منقوف الوجه، يبيت يتضور من الألم، يود لو خرج عن كل ماله وجاهه لتعود إليهحته، وبجانبه فقير مستحكم الخلقة، متين البنية، ممتلئ قوة وشدة وصلابة_وتجد جمالا في الأغنياء والفقراء، وقبحا في الأغنياء والفقراء، فهذه فقيرة مشرقة الجبين، افية الاديم، مفرطة الجمال، معتدلة القوام، لا تفتح العين على اجمل منهاورة، ولا أتم منها حسنا؛ وهذه سيدتها الغنية دميمة الخلقة، منكرة الطلعة، تنبو عن منظرها الأحداق، وتتفادى من مراها الأبصار، تريد أن تتجمل بالصناعة والأصباغ والحلي والملابس، فلا يزيدها ذلك كله إلا قبحا، على حين أن جارتها الفقيرة جميلة في طبيعتها، جميلة في بساطتها، جميلة حتى في ثيابها المهلهلة!
وللقدر في ذلك بدع، فاشهر طبيب في القلب يموت بالقلب، واعظم جراح يموت بالتسمم. وتلد الفلاحة الفقيرة في الطريق وهي حاملة قدرتها مملوءة ماء على رأسها، ثم يقطع