(الخلاص) وتحمل طفلها وتذهب إلى بيتها سالمة غانمة؛ وسيدتها الغنية يحلل دمها وغير دمها قبل الوضع، ويعقم كل شيء في حجرة ولادتها، ويقف مشاهير الطبيبات والأطباء على بابها، حتى إذا أذنت ساعة الولادة بالقدوم استخدم كل ما وصل إليه الطب الحديث، والكيمياء بالحديثة، والعلم الحديث، وأمعنت جمهرة الأطباء في التطهير والنظافة واتخاذ وسائل الراحة والحصانة، وغير ذلك مما لم أذكر منه إلا قليلا؛ ثم هي بعد تصيبها حمى النفاس، ويقف الطب والعلم دهشا حائرا، ثم تسلم الروح إلى ربها، هازئا بكل ذلك القدر.
وهناك نوع من الأرستقراطية غريب، هو الأرستقراطية العلمية، فالمتعلمون ذوو الشهادات يعدون أنفسهم_وربما عدهم الناس أيضا_نوعا ممتازا من الناس، يختلفون عنهم نوعا من الاختلاف، ويرتفعون عليهم نوعا من الرفعة، كما ترتفع طبقة الأغنياء وكما ترتفع طبقة الامراء، فالمتعلم ينظر إلى أخيه الشقيق الجاهل نظرة فيها شيء من التعاظم، وشيء من الازدراء، وشيء من الغرور، وان ساواه في الدم، وان ساواه في الغنى أو الفقر، وهو لغروره يظن أن شهادته تخوله الحق أن تكون آراؤه في كل شيء خير الآراء، وان غير الجامعي لا يحق له أن يبدي رأيا بجانب رايه، حتى فيما ليس له اختصاص له اختصاص فيه.
وهو كذلك نوع من الأرستقراطية الكاذبة لا تعبا بها الطبيعة ولا تعيرها أي التفات، فقد جعلت بين المتعلمين أذكياء وأغبياء، وجعلت بين الأميين أذكياء وأغبياء، بل من غرور المتعلمين أن يسموا من لم يقرا ولا يكتب جاهلا وأميا ونحو ذلك من الأسماء، ويسموا من يقرا ويكتب متعلما، كأن وسيلة العلم والحكمة والعقل القراءة والكتابة وحدهما، ونحن لو نحينا غرور المتعلمين جانبا لهزئنا بالقراءة والكتابة في كثير من الأحيان، ولوجدنا وسيلة من وسائل الرقي، ولكن بجانبهما وسائل أخرى، ولوجدنا انهما لا تستحقان هذا الغرور الذي ينشئ نوعا من الأرستقراطية، فالحكمة في تصريف الأمور لا تعتمد على التعليم الجامعي، وسعة العلم كما تعتمد على الفطرة البشرية، والغريزة الإنسانية. ومن ثم قد ترى الجامعي الحائز لاقى الشهادات العلمية وهو أخرق في الحياة، سعيه في التصرف، وأخاه الذي يسمونه جاهلا أميا حكيما في تصرفه مدبرا لشؤونه وشؤون اخوته الجامعيين، وترى الأمة قد تصاب على يد متعلميها في أحوالها السياسية والاجتماعية اكثر مما تصاب على يد