الشخصية، وتبرز مواضع الجمال والقبح فيها. . . فلا مفر من إذن من الحديث العام عن القصة دون الدخول في التفصيلات إلا بمقدار.
ليس في القصة كلها صخب ولا بريق. . إنها خلو من الالتماعات الذهنية والأفكار الكبيرة. وليس فيها (لافتة) واحدة من اللافتات التي تستوقف النظر. ومحيطها ذاته محيط عادي. وأحداثها وحوادثها مما يقع كل يوم في أوساطنا المصرية العادية. اللهم إلا تلك الغارات الجوية التي روعت بعض المدن في زمن الحرب والتي روعت أسرة (أحمد أفندي عاكف) فأزعجتها عن حي السكاكيني الذي استوطنته زمناً طويلا، إلى الحي الحسيني وخان الخليلي، لتكون في منجاة من الغارات، في حمى ابن بنت رسول الله!
ولقد كان (أحمد عاكف) وهو يحمل عبء الأسرة بمرتبه الصغير، إذ هو موظف بالبكالوريوس في قلم المحفوظات بوزارة الأشغال، كان قد أغلق وطوى أحلامه. . . لم يفكر في الزواج ولم يعد يطمح إلى الحب، أو إلى الشهادة العالية. لقد وقفت أمامه العراقيل العائلية والمادية والعلمية، فانطوى على نفسه واستراح إلى اليأس بعد الفشل المكرور؛ وقد ترك هذا الفشل في نفسه مرارة لا تمحى، ولون شخصيته تلويناً معيناً، ودس فيها عيوباً شتى. ولكنه وقد عجز عن الطموح جعل العزوف عن المطامح سلوته، والترفع عن الوسط طابعه وآوى إلى مكتبته وكتبه، وهي مثله تمثل جيلا مضى، وتعرض مباحث قديمة لا صلة بالحاضر وما فيه، فزاده هذا بعداً عن الجيل، وإيغالاً في التاريخ!
وحينما انتهى من تعليم أخيه الصغير تعليما عالياً كان قد ناهز الأربعين. كان قد شاخ، فأحسن أن الأوان قد فات، وسار في طريقه يقطع الحياة كالأجير المسخر، والتخوف والمحذر من كل خطوة إيجابية، فهو يعيش في داخل نفسه عاجزاً عن تحقيق تصوراته وتجسيم خيالاته.
ولكن القدر الساخر لا يدع الناس يستريحون - ولو راحة اليأس المريرة - إنه يطلع على هذا الكهل - كما يسميه المؤلف - بوجه جميل يلوح له في النافذة المقابلة. إنه وجه فتاة صغيرة لا تزال طالبة بالمدرسة. وإنها تصلح أن تكون ابنته. . . ولكن هذا الوجه يبسم له، فيثير في نفسه كوامن المشاعر النائمة، على حين يدركه حذره وتردده، وخجله من فارق السن السحيق.