وتمضي الأيام في شغل معقد مقيم بهذا الحادث الجديد الذي يهز كيانه الضعيف هزاً عنيفاً متواصلاً بين الإقدام والإحجام ويبدع المؤلف في تصوير شتى النوازع والاتجاهات في هذه النفس المعقد. وفي نفس الفتاة الصغير تلك الأنثى المهيأة لحياة البنت والزواج.
وفي اللحظة التي يكاد يقدم فيها على الخطوة الحاسمة في حياته وقد تندى قلبه الجاف، وترعرعت البذور المطمورة في أعماقه تحت أكداس اليأس والفشل والتردد. . . في هذه اللحظة الحاسمة يسخر القدر سخريته العابثة فيطلع له في الميدان منافساً قويا لا يملك منافسته، بل لا يملك حتى أن يشفي نفسه منه بالحقد عليه! إنه أخوه وربيبه (رشدي عاكف). لقد نقل في هذا الوقت من فرع بنك مصر في أسيوط إلى المركز الرئيسي بالقاهرة. وإنه لا يعلم من أمر أخيه الكبير شيئاً وإنه شاب جسور مغامر بل مستهتر، حاد العاطفة لا يعرف التردد ولا الحذر. . . وإنه الوجه المقابل لصورة أخيه.
وفي اليوم الأول يلمح الوجه الجميل فيستهويه. عندئذ يسلك إلى قلب الفتاة طريقه المباشر في غير ما حذر ولا تردد، ويقطع الطريق الطويل الذي أنفق ويصبح أخوه في قطعه أشهراً. . . في يوم أو يومين. فيتصل ويصبح حبيباً ومحبوباً، وفرداً من أسرة الفتاة. . .! وأخوه يتطلع إلى هذا الانقلاب في دهشة بالغة وفي ألم كسير وفي يأس مرير، وفي إعجاب كذلك بأخيه الجسور!!!!
ويقضي الشاب مع فتاته أويقات حلوة، يسكران فيها بكأس الحب الروية، ويقطفان معا أجمل زهرات الحب الجميلة. . . وذلك ريثما يضرب القدر ضربته الأخيرة، فيمرض الشاب المغامر بالسل نتيجة لإفراطه بالشراب والسهر والمقامرة مع رفاق حي السكاكيني. ولكنه يمضي في استهتاره ثقة بشبابه، وخشية أن يعلم الناس بمرضه، وأن تعلم من الناس خاصة هذه الفتاة!
وفي اللحظة التي يلمس الحب الحقيقي قلبه العابث، فيملؤه جدا، ويتوجه إلى اتخاذ خطوة عملية حاسمة تكون الأقدار، قد ضربت ضربتها الأخيرة فيستشري الداء في الصدر المسلول، ويذهب الشاب بعد ليلات مريرة من الضنى والعذاب، وبعد أن تبين أن فتاته الحبيبة تخشى منه العدوى فلا تراه!
ثم تغادر الأسرة الحي في النهاية. . . تغادره وقد فقدت الشاب الصبوح الفتى الجريء. وقد