انطوى قلب عاكف على جرح جديد بل على جرحين في جرح. والأقدار تسخر سخريتها الدائبة. ودورة الفلك تمضي إلى مداها. كأن لم يكن قط جرح ولا جريح!!!
حياة هذه الأسرة وجروحها وإحداثها وأحاديثها هي محور القصة، وقد أدار المؤلف حول هذا المحور حياة أهل القاهرة في هذه الفترة من فترات الهول أيام الغارات، فعرض منها لوحات بسيطة صادقة تشبه في بساطتها وصدقها فطرة هذا الشعب الطيب الفكه المؤمن المستسلم للقدر، والمتأثر بشتى الخرافات والدعايات ومن بين الصور التي عرضها صورة مقاهي خان الخليلي وغزه) أيضاً. وقد حوت أشكالاً وشخصيات لم تكن لتجتمع إلا في مثل هذا الحي الغريب حقاً؛ كما رسم الصورة مقاهي السكاكيني و (شلل) الشبان فيه! وسجل أطوار المقامرين ومجالسهم رسماً قوياً في جو من الجد والدعاية!
ولقد كان هذا الإطار من مكملات الصورة الأصلية كما كانت الريشة في يد المؤلف هادئة وئيدة، فوفق في إبراز الملامح والقسمات الجزئية، وساير الحياة مسايرة طبيعية بسيطة عميقة، منتفعاً إلى جانب مهارته الفنية بمباحث التحليل النفسي، ودون أن يطغي تأثره بها على حاسته الفنية الأصلية. وعاشت في القصة عدة شخصيات من خلق المؤلف لا تقل أصالة عن نظائرها في الحياة!
ولكن ليست المهارة الفنية في التسلسل القصصي، والبراعة الصادقة في رسم الشخصيات، والدقة التامة في تتبع الانفعالات. . . ليست هذه السمات وحدها هي التي تعطي القصة كل قيمتها. . . إن هناك عنصراً آخر هو الذي يخرج بالقصة من محيطها الضيق، محيط شخصياتها المعدودة، وحوادثها المحدودة في فترة من فترات الزمان، إلى محيط الإنسانية الواسع، ويصلها هناك بدورة الفلك وحلبة الأبد. . .
إنك لتقرأ القصة ثم تطويها، لتفتح قصة الإنسانية الكبرى. . . قصة الإنسانية الضعيفة في قبضة القدر الجبار. قصة السخرية الدائبة التي تتناول الأقدار تلك الإنسانية المسكينة.
هذه أسرة تفر من هول الغارات وخطر الموت من حي إلى حي. فما تغادر هذا الحي الآمن! إلا وقد أصابها الموت في أنضر زهرة وأقوم عود!
وهذا رجل شاخ قلبه، وانطوى على نفسه، وآوى إلى يأس مرير ولكنه هادئ ساكن. فما يلبث القدر أن يثير في قلبه إعصاراً على غير أوان، ويزيح الركام عن البذور المطمورة