في قلبه الهرم، ليعود فجأة فيقصف الأعواد التي تنبت في بطئ وحذر يقصفها في قسوة عابثة، وبيد أحب الناس إليه: شقيقه وربيبه! ولو قد أمهله بضعة أيام لانتهى إلى الواحة الممرعة بعد طول الجدب في الصحراء. ولو قد تقدم به أياما لأعفاه من إضافة تجربة فاشلة إلى تجاربه المريرة!
وهذا شاب مستهتر عابث، ما يكاد الحب يقومه، ويعبث فيه الجد والمبالاة حتى يخطفه الموت، الذي لم يخطفه أيام العبث والاستهتار!
والأرض تدور، الزمن يمضي، والناس يقطعون الطريق المجهول كأن لم يكن شيء مما كان: رفاق الشاب في قوتهم يقامرون ويعربدون، وأصحاب الرجل في (غرزتهم) يدخنون أو في قهوتهم يتندرون. والقدر الساخر من وراء الجميع لا يبدو عليه حتى مظهر الجد في سخريته المريرة. والمؤلف نفسه لا يكاد يلتفت إلى الدائرة الوسيعة التي تنتهي إليها قصته لأنه يلقى انتباهه كله إلى إدارة الحوادث ورسم الشخصيات!!!
ولعل من الحق حين أتحدث عن قصة (خان الخليلي) أن أقول: إنها لم تنبت فجأة، فقد سبقتها قصة مماثلة، تصور حياة أسرة وتجعل حياة المجتمع في فترة حرب إطار للصورة. . . تلك هي قصة (عودة الروح) لتوفيق الحكيم.
ولكن من الحق أيضاً أن أقرر أن الملامح المصرية الخالصة في (خان الخليلي) أوضح وأقوى، ففي (عودة الروح) ظلال فرنسية شتى. وألمع ما في عودة الروح هو الإلتماعات الذهنية والقضايا الفكرية بجانب استعراضاتها الواقعية؛ أما (خان الخليلي)؛ فأفضل ما فيها هو بساطة الحياة، وواقعية العرض، ودقة التحليل.
وقد نجت (خان الخليلي) من الاستطرادات الطويلة في: (عودة الروح). فكل نقط الدائرة فيها مشدودة برباط وثيق إلى محورها.
وكل رجائي ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب، فما يزال أمامه الكثير لتركيز شخصيته والاهتداء إلى خصائصه، واتخاذ أسلوب فني معين توسم به أعماله، وطابع ذاتي خاص تعرف به طريقته، وفلسفته حياة ذلك تؤثر في اتجاهه.
وبعض هذه الخصائص قد أخذ في البروز والوضوح في قصصه السابقة وفي هذه القصة؛ وهي الدقة والصبر في رسم الخوالج والمشاعر وتسجيل الانفعالات المتوالية، والبساطة