(المجهول) والرهبة منه والتوهم فيه، وإنما تعتمد على (المعلوم) الثابت بالحس والبداهة والمحاكمة الفكرية بجميع قوى الفكر من الاستقراء والتذكر والتدبر والتمييز والضبط والحكم.
وليست كذلك تعتمد في مبدئها على (السماع) بطريق (الوحي) من عالم آخر، وإنما تعتمد على الإدراك بالقوى الفكرية الطبيعية في كل فرد صحيح التفكير، عالم بالكون، سليم الطبع، موزون القوى، وعلى التفاعل الفكري بينه وبين هذا الكون الكبير العظيم ذي الطلعة الأخاذة الجبارة، والقوى الموزونة الدقيقة المتناسقة المنسجمة، ثم ينزل الوحي الإلهي مما وراء الطبيعة فيؤيدها ويذكر بها، ويبين ما يلتبس على العامة فيها.
وليست كذلك تعتمد على الجانب (المائع) المتموج المتقلب في الطبع الإنساني، وهو جانب الانفعال الوجداني بالإثارات الفنية والأجواء الغامضة المسحورة، والشاطحات والخطافات، وجنون الأرواح بالأسرار، وانسلاخ القوى، وتجسيم الخيال، والاستغراق والهيام في أودية التهاويل والرموز، وغير أولئك مما تعتمد عليه الوثنيات التي لا ترى الكون ورب الكون بذلك لا الوضوح الذي يراهما به الفكر المسلم العالم، وإنما تراهما مبهمين مختلطين غير منفصلين، فلا يستقيم لها منطق إنساني ولا منطق إلهي، وإنما تلتبس عليها وجوه الكون وتختلط وتتداخل، فلا ترى الطريق القصير المستقيم إلى الله الواحد لتشهد به شهادة إثبات يقين جازم يقظ مستنير راسخ في إصرار لا يتزعزع ولا يرتد، وإنما يأخذها وجدانها إلى التقليد المبهم، حيث الإثارات الفنية والأضواء والإصدار ونداءات المجهول الهائل الغامض المخيف، فتن بض قلوبها ولو في بيوت الأوثان، وذلك النبض الذي يخلع على الأصنام الأوهام والتخييل، فترقص أشباحها في عيون عبديها، وتنطق أصواتها في قلوبهم، ويحبونها كحب الله إن كانوا يعترفون به معها، أو يخصونها بالعبادة دونه، ويحيطونها بفلسفات ومخرقات وكهانات، ويتحرك لها وجدانهم، ويشعرون نحوها بتبتل ورهبة، ويؤثرونها على الله، ويزعمون أنها الحق، والوحدانية فرية واختلاف وعجب من العجب. . . (أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن هذا لشيء عجاب!)؛ (إن هذا إلا اختلاق)؛ (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله)؛ (وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)، (ويجعلون لله ما يكرهون)؛ (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل