للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى شركائهم)، بل يصل بهم الحال أن يقاتلوا في سبيلها فيَقْتَلوا ويُقْتَلوا وهم يقولون لصنمهم الأكبر (أعْلُ هُبَل!).

فلو كان (الوجدان) هو مناط الإيمان وطريقة بدون محاكمة عقلية واعتماد على استقرار حقائق الكون في سبيل الاهتداء إلى التوحيد والإلهية، فما هو إذاً الفرق بين وجدان الوثني ووجدان الموحد، وبين إيمان هذا بالله، وإيمان ذاك بآلهته وأصنامه؟ إن الوثني مؤمن بآلهته بحرارة وجدانية، ويقاتل عنها بإخلاص، والموحد كذلك مؤمن بالله ويقاتل في سبيله. فأيهما على حق، وأيهما على باطل، وإذا كان الاتجاه في الإيمان إلى (المجهول) وإذا لم يكن التحاكم العقلي الاستقرائي إلى الكون هو الميزان والفيصل؟ وما هي أدوات ذلك التحاكم العقلي غير القوى التي يوجب القرآن وعلم النفس الحديث استعمالها كالاستقراء أو الاستعراض والاستنباط والتذكر والتدبر والتفكير والتمييز والحكم؟ تلك القوى الهادئة الفاصلة المضيئة التي تضئ للروح طريقها إلى الحق؟

وهل بأحد حاجة إلى أن أنبهه إلى أن كثيراً جداً من آيات القرآن تحض على التذكر والتدبر والتفكر والاستقراء والفهم التمييز واستعمال الحكم؟ وهل يحض القران على الهدى إلا وهي أسلحته وموازينه؟ وهل يسكن قلب امرئ ممن يعتد بهم ووجدانه عقيدة أساسية إلا بعد أن تمر على عقله ويقتنع ويقتنع بها؟ إن أصحاب محمد حينما تركوا عقائدهم وعقائد آبائهم الوثنية واتبعوا الوحدانية معه، وتحملوا من أجل الإيمان بالله وحده ألواناً قاسية من الاضطهاد والعذاب، ولم يكونوا أطفالاً، وإنما كانوا مفكرين ارتضوا الوحدانية على الوثنية بعد أن أيقظ قوى أفكارهم موقظهم العظيم، فوازنوا بين الدينين، وحكموا واختاروا وتحملوا التبعات.

ثم ما هي حجة الله في مؤاخذة المشرك حين قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ما دام ذلك المشرك يجد في قلبه وعواطفه وهواه ميلاً لعبادة الشركاء والأصنام تماماً، كما يجد الموحد هواه وعواطفه في عبادة الله؟

وكيف يهدد الله محمداً رسوله بإحباط عمله وتعذيبه لو فتن ومال في قوله: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت لَيحْبَطنَّ عملك ولتكونن من الخاسرين)؛ وفي قوله: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً. إذاً لأذقناكِ ضِعف الحياة وضِعف الممات، ثم لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>