تجد لك علينا وكيلاً)؛ أليس ذلك لأن الموقف الفكري هنا في عقيدة التوحيد موقف واضح حاد صارم! لا يحتمل الشبهة ولا الميل يسرة أو يمنة، لأنه إزاء قضية الكون كله وأعظم شئونه؟
فهو حقيق أن يقول القرآن فيه:(ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق!)
يا للإهدار والإهوان والتحقير والتضييع والتحطيم! الغضب الملك الحليم الجبار الرحيم على من لم ير تفرده بعرشه العظيم!
فهل كانت هذه الغضبة الإلهية إلا لأن المشرك ضيع الميزان الدقيق الهادئ الحر الذي وضعه الله بين قوى فكره، ولأنه سار وراء الانفعالات التي لا تستند إلى نقط ارتكاز واضحة؟
وقد قلت في مقال سابق: إن كان الأستاذ سيد يريد من الوجدان تلك القوة التي تعتمد على البداهة والحقائق الخالدة والإدراك الكلي ومدركات الحس، فهو بعينه القوة التي يطلق عليها القرآن العقل والفكر. والخلاف حينئذ يكون بيننا على الاسم، والأولى أن نستعمل ما استعمله القرآن، وأن نعدل في هذا المقام عن التفريق بين المنطقين، وعن استعمال (الوجدان) الذي قد خصصته الاستعمالات الحديثة بمنطقة الانفعالات للإثارات الفنية كالموسيقى والخطابيات والشعر والمشاهد الرائعة والأصداء والأضواء والنسمات الشذية وغيرها مما يثير عالم القلوب تلك الثورات المهمة الطليقة. وإن كان يريد به ما يسمى الآن (الضمير)، وهو تلك الاستجابة الطبيعية للجمال والخير بدون تعليل، والنفرة من الشر والقبح بدون تعليل كذلك إلا لأن الطبع هكذا، فذلك ليس حديثه هنا وإنما في مجال الأخلاق والسلوك. ونحن هنا إزاء قضية التوحيد تلك القضية الفكرية التي تأتي في مرتبة تالية بعد إثبات وجود الخالق المدبر بالبداهة والفطرة التي من طبيعتها أنها لا ترى حدوث كائن ما بدون سبب، ثم يتساءل الفكر: هل هذا الخالق المدبر متعدد أو متوحد؟ ثم يصل إلى (التوحيد) ويوقن به بعد الاستقراء والتتبع (لمعلومات) الكون وإدراك ما فيه من وحدة التصرف وتوازن القوى المادية العارمة المجنونة العمياء والالتئام والتناسق الدائم بينها (فارجع البصر هل ترى من فطور؟)؛ (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).