ويستلزم الأمر أيضاً أدوات من المعرفة بطبائع التعدد في الأيدي المتصرفة، وبالتجارب الأزلية النفسية والاجتماعية بين الأمثال والأشباه من الرؤساء، وباستعراض مقالات الأديان الوثنية والمعددة للآلهة وما حولها من الأساطير وأحاديث الصغارات والطفولات في الحلوم والتصرفات، والمعارك الدائمة بين آلهة الخير وآلهة الشر، وتفاوت القوى والمواهب بينهم جميعاً، وانتهاء آفاقهم جميعاً إلى أكبرهم يخضعون له ويستمدون منه ولا يستطيعون منه مهرباً، كما كان الحال مع آلهة اليونان والرومان، إذ ينتهون إلى (ذيوس) و (جوبتير)؛ وكما قال القرآن بتلك الحجة العقلية الدامغة:(قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا)؛ (ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله، إذاً لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض).
إن (الوجدان) بمعناه الاصطلاحي الذي شرحناه لا يفصل في هذا المعترك الزاخر، لأنه منطقة التبتل والخشوع والاستسلام للآله الواحد أو الآلهة المتعددة بعد انتهاء المعارك الفكرية حولها.
وهو يعمر قلوب جميع المتدينين موحدين ومعددين ووثنيين، فكلهم يبكون ويخشعون في معابدهم وفي حالات هيامهم الروحي. هؤلاء يتوجهون لمعبود اتهم المتعددة، وأولئك لمعبدهم الواحد. . . فما الذي يجعل القرآن يقول عن المؤمنين بالله:(أولئك حزب الله)، وعن الآخرين:(أولئك حزب الشيطان)، لولا أن منطقة العقل الوزان هي المحكمة وهي المسئولة؟
إنني قلت: إن جدل القرآن في مسألة التوحيد جدل عقلي إثباتي بالبراهين الاستقرائية والتطبيقية والعملية والتاريخية، فساق براهينه وطالب مخاليفه بمثلها:(قل هاتوا برهانكم)؛ (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا)؛ (قل رأيتم ما تدعون من دون الله، أروني ماذا خلقوا من الأرض، أم لهم شرك في السماوات، أتوني بكتاب من قبل هذا، أو إثارة من علم).
وقد بينت ما تنطوي عليه آيات التوحيد في سورة الأنبياء من ضروب الأدلة العقلية جميعها بما لا يدع مجالا للشك في أن القرآن جادل عن التوحيد خاصة جدلا ذهنياً عقلياً، ولكن بأسلوبه الأدبي الفردي المتفرد الذي يحرك الوجدان أيضاً بجماله بجانب الحركة العقلية بحججه. ولكن الأستاذ سيد يقول: إنه لا يزال عند رأيه في أن هذه الآيات ساقها القرآن