للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعذوبة. فلنلق نظرة على هذه الأبيات القليلة من شعره ثم نبني حكمنا عليها بعد تدقيق وإمعان.

(ابولو - أيها الإله العظيم. إن هذه المساكن لا تصلح لسكنك قط. ولكن في ذلك المكان حيث يلتقي البحر فيه والجبل هناك حيث يرسل القمر أشعته الفضية فتتردد الأصوات في الفضاء متغزلة بجماله، هناك وادي الإلهة تزب يطيب لك العيش وتحلو لك السكنى).

لو قرأنا هذه الأبيات في صورتها الإنكليزية لوجدنا الشاعر يغنى معها شارحاً عواطفه ومشاعره. هنالك تسمو نفسه فيرتفع عن مصاف الشعراء العاديين. ولكن موسيقاه هي أنموذج من الأغاني المخيفة التي يهابها ويخافها لتأثيرها على وحدة النفس وكيانها.

لقد تدرع أر نولد بدرع من الذكاء والابتكار. وطيلة حياته نراه قنوعاً بالحياة التي يحياها وراضياً بالعالم الذي يعيش فيه، ولكنا نرى من خلال قصائده تطلعه نحو حياة مشرقة، حياة الصباح العاطر في أيام الربيع الجميلة عندما تتفتح الأزهار والرياحين ناشرة في العالم سعادة أزلية خالدة. وفي قصيدته الرقيقة (الغجري المتعلم) نرى الشاعر مسوقاً بتيار العواطف مقوداً لآلهة الشعر يضمن نظريته هذه في بضعة أبيات ملؤها الجمال والروعة متخذا من هذا الحلم البهيج وحيه وسر عبقريته، فهو يقول:

(فوق مياه المحيطات المتوسطة، حيث تكثر الرياح بين شاطئ إيطاليا وشاطئ صقلية الجميلة حيث تلتقي مياه الاطلانتيك بمياه البحر المتوسط من خلال المضائق الغربية - هناك تكثر السفن المشرعة حيث ترتفع الصخور إلى عنان السماء - وتهب الأمواج عليها فتخرج الزبد. هنالك يظهر الإسبانيون سمر الألوان ميالين للمغامرة والإبحار. فيعقدون أسواقهم التجارية على شواطئ البحار. . .)

وأروع قصائده خيالا وأوسعها حرية هي قصيدته (البحري المهجور) حيث يتطلع إلى العالم القديم بعين التواق الراغب مؤنباً سكان هذا العالم لهجرهم إياه وابتعادهم عنه - فكرة هي نفس حلمه الجميل معبرة بطريقة مخالفة عن رغبته في الشباب، في الحياة الجديدة السرمدية حيث يقول:

(تلك الكهوف الرملية العميقة الرطبة، حيث تهدأ الرياح وتسكن سكوناً أبديا، هناك تتسارق الأنوار النظر إلى هذه الأعماق، وهناك تكثر الأملاح فتذوب في الجداول).

<<  <  ج:
ص:  >  >>