للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإن مقدرة أولد الرومانتيكية أو الإبتداعية بالأحرى لتتجلى في جماله وطهارته. وعوامل نجاحه وانتصاره تتلخص في سرده للخرافات والأحلام. وموسيقاه تختلف عما عرف في عصره بكونها فائية شديدة الوقع لم تنل إعجاب المعاصرين. فشهرته كشاعر عبقري لم تبن بعد. ولما كانت البيئة التي وجد فيها تهتم كل الاهتمام للأخلاق ولا تأبه للجمال وأثره؛ ولما كان والده رجلا دمث الأخلاق ليناً وعظيما في نفس الوقت، لذلك نرى في شعر شاعرنا الميل الدائم إلى البساطة والرغبة الجلية في الطهارة والصفاء. وكنتيجة لهذه البيئة ولهذه الرغبة في الشاعر ظهرت هناك قصيدتان عدتا من روائع الأدب الإنكليزي بحثا في الأخلاق والدين بحثاً مسهباً مستفيضاً.

أحب أرنولد الطبيعة حباً جماً، فوصفها في قصائده وأغانيه وصفاً قرأه كثير من البؤساء والمتألمين فسروا به عن نفوسهم، وأزالوا ما لحقهم من بؤس وشقاء. وكان ينظم قصائده على النمط الذي جرى عليه أستاذه وردزورث من قبله فقلده تقليدا أعمى في أسلوبه وأفكاره. وكان بفطرته لا يميل إلى الاعتقاد بالخرافات والأباطيل القديمة مع أنه دونها كثيراً في شعره ومؤلفاته، فالصدق كان رائده في كثير مما نظمه. وفي قصيدته (حداثة الطبيعة) نرى شخصيته متمثلة أتم التمثيل وأكمله. ولم يكن أسلوبه ليقل عن أسلوب شلي أو أي شاعر عظيم آخر ناهيك بأن مادته وأفكاره كانتا لا تضاهيان.

وقصيدته (تريشدام وايسونت) تحوي عدداً من الأغاني الرائعة فهي تبدأ بهذه الأبيات الجميلة:

(أشعل الضوء يا غلام حتى أراها فلقد أتت الملكة المتعجرفة أخيراً. انتظرت طويلا وغالبت الحمى التي انتابتني تأخرت أيها العزيزة، وكان تأخرك نكراً وهجرانا).

ويجمع محبو أرنولد وتلامذته على أن قصيدة (رستم وسهراب) هي أحسن ما كتبه الشاعر وقد لقبه على أثرها لورد رسل بقوله: (هو شاعر العصر الأوحد). وهذه القصيدة مستمدة من قصة أسيوية قديمة تتلخص في سير مبارزة حدثت بين بطل من أبطال الترك ووالده. وكان كل منهما يجهل صاحبه حتى قتل الولد فعرفه الوالد وحزن عليه حزناً شديداً. وما أجمل وصفه للأموات حين يقول

(إن الصدق يلازم شفاه الأموات، والخداع كان بعيداً عني طيلة حياتي)

<<  <  ج:
ص:  >  >>