للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأسانيد، ولكن السخرية جائرة على أولئك المؤلفين إذا كان همهم الأكبر تسجيل ما شاهدوه وما أحسوه ووقع هذه المشاهدات في أذهانهم ومخيلاتهم للوهلة الأولى، فإننا نخسر كثيراً من حقائق المشاهدات إذا أهملنا منها الجانب الذي يفاجئنا بآثاره النفسية، ولو تغير حكمنا عليها بعد ذلك، لأن الآثار التي تتغير هي أيضاً صورة من صور الدلالة، ولون من ألوان الشعور والتفكير.

خطر لي هذا الخاطر وأنا أستمع اسماً من الأسماء تغلب فيه النسبة إلى بلد من البلاد المصرية.

فرجعت بي الذاكرة إلى العهد الذي كانت النسبة الإقليمية تغلب فيه على معظم الأسماء إن لم تغلب على جميع الأسماء.

فكنا نسمع مثلا أسماء: علي الجرجاوي، وحسن الأسيوطي، ومحمد الشرقاوي، وأحمد الفيومي، وحسين المنياوي، وموسى الشندويلي، ومحمود الدمنهوري، وكثيراً من أشباه هذه الأسماء المنسوبة إلى الأقاليم.

ثم عبرت فترة على الديار المصرية قلت فيها الأسماء المنسوبة، ثم أوشكت أن تزول.

ألا يدل مجرد الاستماع إلى أسماء هذين الجيلين على تاريخ الوطنية المصرية منذ خمسين أو ستين سنة؟ ألا يفهم منه أن المصريين قد شعروا بوطن عام تنطوي فيه الأقاليم بعد أن كانت أوطانهم في رأيهم هي تلك الأقاليم التي حجبت عنهم النظر إلى (الوطن العام).

وتسمع بين الأسماء اسم البحيري والشرقاوي ولا تسمع اسم الغرباوي أو الغربي منسوباً إلى إقليم الغربية، بل ينسب الناس أبناء هذا الإقليم إلى بلادهم: كالطنطاوي والدسوقي والمحلاوي والسنطاوي، وغيرها من المنسوبات إلى بلاد الغربية وقراها. فهل من العجلة أن يفهم من ذلك أن التقسيمات الإدارية لم تكن مما يحفل به المصريون في عهدهم الغابر، وإن أسماء الحكومة غير أسماء الشعب في لغة الجماهير؟ ألا يلاحظ من هذا أن الموقع هو المقصود من نسبة البحيري والشرقاوي وليس هو الاسم المصطلح عليه في دفاتر الحكومة عند تقسيم المديريات؟

ويحضرني لهذه المناسبة ما لاحظته على الأسماء العربية في بلاد السودان

ففي هذه البلاد يكثر اسم: أبو بكر وعمر وعثمان، ويوجد اسم مروان والزبير ومعاوية

<<  <  ج:
ص:  >  >>