حانة الحكمة؟ وماذا تفهم إذا قرأت (جزار الخيرات) وحانوت السلامة؟
أمثال هذه العناوين تدل على كثير، وهي على هذا لا تحتاج إلى أكثر من لفتة في الطريق.
وإذا نزلت بمدينة إسلامية في شهر رمضان فلم تر مسلماً واحداً يحمل سيجارة يدخنها، ورأيت في كل شارع مشهود خمس حانات، فماذا تفهم من حقيقة الإيمان وحقيقة الأخلاق ونصيبها من الصدق والصراحة في تلك المدينة؟ وماذا تفهم إذا مررت فيها بمائة مسجد ولم تجد فيها جميعاً ما يملأ عشرة مساجد؟
إنك لتفهم من هذه النظرات العرضية ما يستحق أن يفهم على الأقل وأن يلاحظ وأن يتجاوز الملاحظة إلى التسجيل.
فإذا كان هذا الفهم مما يتغير بعد النظرة الأولى، فذلك من دواعي الحرص عليه لا من دواعي إهماله وصرف النظر عنه، كما يحرص على كل ملاحظة إنسانية يخاف عليها من الزوال السريع.
لقد ظلمنا (معرفة الطريق)، وأفرطنا في الانحناء عليها، فوجب أن نعود بها إلى حد من القصد والإنصاف، لأننا محتاجون إلى سرعة الملاحظة، ومحتاجون إلى سرعة الاستدلال، ومحتاجون إلى تسجيل الأطوار المتعاقبة للحقيقة الواحدة في حالة المفاجأة وحالة الروية والمراجعة.
أما إذا قيل إن هذه المعرفة التي تسميها بمعرفة الطريق قد تسمعنا ما لا يستحق السماع وتسجل لنا ما لا يستحق التسجيل فالخطب هنا يسير وموضع الفصل فيه غير بعيد، لأننا خلقاء أن نذكر دائماً أن النظر الذي لا يرى من النظرة الأولى ما يستحق أن يقال: لن ينفعنا بشيء ذي بال بعد التمحيص الطويل والتنقيب الكثير.