الثاني - أن القصاص من حقوق الله، وليس من حقوق العبد، ورتب على ذلك نتيجتين: الأولى أنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسقط حقاً من حقوق الله. الثانية أن رضا المعتدي عليه بالأرش أو الدية لا يسقط القصاص عن الجاني.
ردنا على الوجه الأول
يقول الأستاذ الحقوقي (إن القضية مدسوسة في ثنايا قضايا التشريع وهي عنه جد بعيدة)، ويكتفي بهذا النفي والإنكار، فلا يقيم دليلا عقلياً ولا نقلياً على ما يقول، ولا يذكر مرجعاً علمياً واحداً يوافقه على هذا الزعم، فهو في إنكاره هذا لا يجري على الأسلوب العلمي، ولا على مقتضى قوانين البحث والمناظرة، أما نحن فنسوق له هاهنا حديثاً صحيحاً مروياً في أكثر أمهات كتب الحديث، هو الذي اعتمدنا عليه في تلخيص القضية التي قال عنها إنها مدسوسة، والقصة التي جحد صحتها. جاء في الجزء السابع من كتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني ص ٢٠: باب القصاص في كسر السن، عن أنس أن الربيّع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله بالقصاص، فقال أنس بن النضر يا رسول الله: أتكسر ثنية الربيّع، لا والذي بعثك بالحق لا تُكْسَرُ ثنيتها، فقال رسول الله: يا أنس، كتاب الله القصاص. فرضي القوم فعفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، رواه البخاري والخمسة إلا الترمذي)، هذا الحديث الذي رواه البخاري، وذكر في كثير من كتب الحديث الصحيحة - هو الذي أستندنا إليه في ذكر قضية الربيع؛ فإذا أصرّ الأستاذ الحقوقي على أنها مدسوسة بعد هذا البيان فليتبع في نفيها الطريقة العلمية والتدليل المقبول - إن استطاع - بأن يوجه إلى الحديث الذي رواها نقداً داخلياً موجهاً إلى متنه، أو نقداً خارجياً موجهاً إلى رواته، أو يذكر لنا على الأقل رأياً، ولو لرجل واحد من أهل التعديل والتجريح يطعن في صحته.
ردنا على الوجه الثاني
هنا كان عجبنا أشد، فإن الذي يعرض لتقرير قاعدة شرعية ليرتب عليها أحكاماً - ينبغي