يكتب الأستاذ السيد يعقوب بكر عن حماد الراوية وقد عرض للمعلقات فوافق ابن النحاس النحوي المصري على أنها لم تعلق في الكعبة ولكنه خالفه في اختيار العرب لها، ورأى أن العرب هم الذين اختاروا هذه القصائد وفضلوها على غيرها. قال في العدد (٦٤٨): (فالمعلقات إذاً قد تكون من اختيار العرب القدماء) ثم جاء في العدد (٦٤٩) فجعل هذا الذي قد يكون أمراً محققاً، وأكد فيه ما ردده في العدد السابق فقال (واستقام لنا أن العرب القدماء هم الذين اختاروا المعلقات وفضلوها على غيرها). وهذه دعوى لا تقل في نظر الباحث في التاريخ الأدبي عن دعوى التعليق، فان الناظر في الأدب الجاهلي يستطيع أن يعرف من هذا - لو صح - الذوق الأدبي عند عرب الجاهلية ويستطيع إلى أي مدى كانوا يحكمون على الشعر وما هو مدار الفحولة في الشعر عندهم؟ ومن دراسة هذه المعلقات يتبين له النوع الذي كان يؤثره جمهور العرب على غيره وهكذا، فإذاً هذه دعوى لا يمر بها الدارس مراً ولا يلقيها على رُسَيْلاتها، بل لابد له أن يدعمها بالدليل، ويؤيدها بالبرهان، ونحن نرى أن الكاتب اعتصم بأمرين أولهما ما ذكر في قوله (ويؤيدنا في رأينا هذا ما يقوله ابن النحاس نفسه من أن حماداً الراوي لما رأى قلة من يعنون بالشعر، جمع هذه القصائد السبع، وحث الناس على درسها وقال لهم: هذه هي المشهورات، ولفظ المشهورات هنا هو بيت القصيد) وهو كما نرى - دليل واه ضعيف - فما أهون على حماد أن يكون زعم هذه الكلمة، ويؤيد هذا أنه قدمها للناس حين رأى منهم الزهد في الشعر. فمن المرجح حينئذ أن يقول لهم إن هذه القصائد كان يؤثرها العرب على غيرها، وكانت عندهم مشهورة ليحثهم بذلك على حفظها ودراستها، وكل ما يمكن أن يؤخذ من هذا أن حماداً نفسه كان يستجيد هذه القصائد، وأما ماعدا ذلك فيحتاج إلى دليل، فمن أين لنا مثلا الدليل على صدق حماد في هذه الدعوى؟
أما الأمر الثاني فما ذكره في قوله (فالعرب الجاهليون قوم قد شغلوا بالشعر فقالوه ورددوه وأقاموا الأسواق لإنشاده ونقده، وقوم هذا شغلهم بالشعر لا يصعب عليهم تفضيل بعضه على بعض واختيار بعضه دون سائره).
ونقول له نحن: وهو كذلك. نعم لا يصعب على العرب أن يفضلوا بعض الشعر على بعض، ولكن من أين لنا أن هذه هي القصائد التي فضلها العرب واختاروها؟ وإن هذا