السوق بالعمال الذين دخلوا بينهم ولم يتأثر بعضهم ببعض فحدق الرجل نظره في عيونهم فوجدها كأنها قعور الآبار الجافة لم تسل منها الدموع ولن تسيل، فغادر تلك السوق منقطع الرجاء.
ورأى الرجل أنه لم يجد دمع العطف والرحمة في الناس أيضاً فحزن حزناً شديداً ومشى في الطريق حتى وصل إلى قرية بغير قصد، ورأى كوخاً أمامه ميدان واسع وحوله بضع أشجار من الصفصاف تجعل أشعة الشمس أوراقها الخضراء جميلة رشيقة، ويظهر أن عند صاحب الكوخ ضيوفاً يعد لهم وليمة، وبدأت امرأته تذبح الدجاج وبجانبها قفص فيها بضع عشرة دجاجة، فأخذت المرأة دجاجة واحدة وأمسكت بيدها اليسرى جناحيها وعرف رأسها ونزعت بيدها اليمنى شعر عنقها ثم أخذت سكيناً وذبحتها، فحركت الدجاجة رجليها كأنها تريد أن تدافع عن حياتها ولكن لم تقدر فسال الدم من عنقها في طاسة صغيرة، فوضعتها المرأة على الأرض بعد انقطاع الدم، وتحركت الدجاجة على الأرض حركة خفيفة ولم تلبث أن أصبحت كومة من الريش من غير روح، وذبحت المرأة الدجاجة الثانية والثالثة كما ذبحت الأولى.
ولما ذبحت المرأة الدجاجة الخامسة خرج من الكوخ ولد ذو وجه أحمر وعينان سوداوان يتطلع بهما وسعى إلى المرأة فرأى أكواماً من الريش ودجاجاً في القفص، ووجد واحدة منها في يد المرأة منظرها يؤلم القلوب، فأسرع ليمسك بيد المرأة اليمنى وخرج البكاء المحزن من فمه وتدفقت من عينيه كتدفق الينبوع
ولا رأى الرجل الدموع لم يصدق أن عينيه تريانها حقيقة وظن أنه في سنة من النوم فإنها جزاء تعبه الغالي أتاه من غير حسبان، ولكنه دقق النظر فيها فوجدها حقيقية تسيل من عيني الولد قطرة قطرة كأنها درر لامعة، ففرح فرحاً شديداً كأنه وجد اللؤلؤ وصاح قائلا:(لم أكن أظن أنني أجدها هنا!) وتقدم إلى الولد ووقف أمامه ماداً يديه تحت عينيه، وبعد برهة ملأت دموع الولد كفيه.
فقال الرجل:(لقد وجدت الآن هذه الدموع التي أضاعها الناس! وإن من واجبي الآن أن أردها إليهم). فراح قاصدا إلى (الرجل المتفائل) يردها إليه أولا لأنه لم يصدق أنه أضاع هذه الدموع وطلب منه أن يحفظها ولا يضيعها مرة ثانية، ثم ذهب إلى مكان يهدي إلى كل