للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المجتمع البشري، وإن كان لم يسائل نفسه لم يحاول الإنسان أن يعيش كالحيوان.

أما العلم الحقيقي فهو بطبعه أعظم من هذا تواضعا وأكثر تقبلا، وإن كانت النهاية أكبر قوة. فالعقل ذو الموقف العلمي الصحيح يلزمه أن يكون على استعداد للاعتراف بوجود أي شيء يكتشف وهو لا يستطيع أن يرفض الأشياء لمجرد أنها لا تطبق على نظرياته المتحذلقة ولكن لا شك أن موقفه ليس موقفا سلبيا فحسب؛ فهو لا يقتصر على أن يدرك كل ما يمكن إدراكه في العالم بل يبذل أعظم جهده في أن يسيطر على الأشياء ويقبض على عنانها بتفهم الكيفية التي بها تعمل، وهذا مغزى إصراره على ضرورة التجربة والاختبار. ذلك أن المرء يستطيع أن يحصل على ما يبدو كأنه الفهم عن طريق التأمل الفكري المحض. ولكن هذا ليس فهما علميا، إذ أنه لا يؤدي إلى السيطرة على الأشياء التي تأمل فيها تأملا فكريا.

الموقف العلمي متقبل أيضا، ولكنه لا يقتصر على التقبل. هو يحاول ألا يهمل شيئاً، ولكنه إلى جانب ذلك يصر على أنه يجب ألا يقرأ في الشيء أكثر مما يحتويه ذلك الشيء، هو لا يرفض قبول الأشياء، ولكنه يحب أن يحصل عليها خالصة صافية، كما هي في حقيقة ذاتها، لا كرموز تحمل في طياتها خواطر مبهمة حالكة غير متميزة.

من السهل جدا أن يلحظ في كثير من شعراء اليوم تأثرهم بالنزعة العلمية التي تحاول أن تجرد الأشياء عن رموزها وأن تعتبرها كما هي في بساطتها وتنظر إليها بعين جديدة. ولقد وضح (أودن) هذه النقطة خير توضيح، وأودن هو أشد الشعراء المحدثين نزعة علمية واعية فهو يقول:

(الساعة الرملية تهمس إلى مخلب الأسد، وأبراج الساعة تنبئ الحدائق ليلا ونهارا، كم من أخطاء يصبر عليها الزمن، وما أشد خطأها إذ هي دائما مصيبة.

ولكن الزمن، مهما علت دقاته أو ضخمت: ومهما أسرع سيله المنحدر في الانصباب، فما حدث قط أنه ثنى الأسد عن وثبته ولا أنه زعزع ثقة الورد.

فهذه كما يبدو ليست تهتم إلا بالفوز: بينا نحن نتخير الكلمات لمجرد طنينها ونعتبر المسألة بحسب إشكالها وما ربح الزمن إلينا محببا. هل حدث قط أننا لم نفضل الطريق الملتوي على الطريق المستقيم الذي يقودنا مباشرة إلى حيث نحن؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>