للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونفس هذه النزعة التي تحاول أن تتناول الأشياء كما هي، لا تهمل شيئا، ولا ترى ما ليس يوجد، يمكن أن يلحظ تأثيرها على أغلب الشعراء المحدثين.

لكن نفرا من أحدث الشعراء، ممن أحرزوا مكانة وقدرا في السنوات الأخيرة، لم يقتصروا على ذلك، بل مضوا قدما في سعيهم نحو العلم. فمثلا داي لويس قد نقد كتاباته الفوضى الحالية أشد نقد وأمره، وقام بدور نبي العالم الجديد. وهو قلما حدد بجلاء ما يعتقد أنه أساس العالم الجديد، ولكنه حين يقوم بذلك يصرح باعتقاده أن هذا الأساس سيكون نفس الشيء الذي سمحنا له بأن يصير مصدر اضطرابنا الحالي، يقول:

(كم يكون عجيبا أن يبرز من اضطراب ربوة النمل وتخبطها نظام ملائكي تقوم دعامته على الحب، يستطيع مواجهة الخير والشر كليهما.

كم يكون أعجب من العجب لو أن الشيطان الذي نبعثه لنثأر لحقدنا وحزننا وضعفنا، أخذ بأيدينا كأنه الأمير المنقذ ورفعنا وقال: أنا أصفح).

أليس هذا اعترافا بأن العلم، الذي كثيرا ما وصفه داي لويس بأنه جرثومة عللنا، قد يكون فيه جرثومة خلاصنا أيضا؟

أما أودن فقد عبر عن هذه الفكرة تعبيرا أشد صراحة وجلاء. هذا ولعل أودن هو أعظم شعراء العقد المنصرم شأنا من كل الوجوه. فهو يقرر بجلاء تام أن العالم لن ينجو إلا حين تسيطر المعرفة على الإرادة الجامحة وتخضعها، وحين يحدث ذلك ففي اعتقاده أن كل النواحي المختلفة من طبيعة الإنسان ستنسجم إحداها مع الأخر في إكمال انسجام، قال:

(لابد أن تبكي كل عين على انفراد حتى تخلع (أنا أريد) من عرشها، ولكن من المستطاع طرد (أنا أريد) إذ ليس لها من البصيرة ما يحميها من هجمات (أنا أعرف)؛ بلى من المستطاع طرد (أنا أريد).

حينئذ تلتقي كل أنواع (أنا) وتنمو (إنني أنا) حتى تصير: (أنا أحب) و (أنا محروم) تصير: (أنا محبوب)؛ إذ ذاك تتلاقى كل أنواع (أنا) وتنمو.

حتى تخلع (أنا أريد) من عرشها لا بد أن تبكي كل عين على انفراد).

ولكن أودن لا تقتصر نزعته العلمية الحق على هذا، بل هو أحد الشعراء القلائل الذين يعرفون كنه العلم الحديث، والذين يدركون أنه ليس يقتصر على تتبع الجوهر الفرد في

<<  <  ج:
ص:  >  >>