رحلته العمياء بل يهتم أعظم اهتمام بالطبيعة السيكولوجية والاجتماعية لبني البشر. فأودن يدرك أن مشاكل العصر الأساسية هي مشاكل العلاقة بين الطبيعة البشرية وبي العالم المادي. هي مشاكل سيكولوجية واجتماعية من ناحية، وطبيعية وكيمياوية واصطلاحية من ناحية أخرى. هو في أحدث كتاب له، (رسالة العالم الجديد) يتناول بالبحث هذه المشاكل في قصيدة مذيلة بتعليقات كثيرة تحيل القارئ إلى كتابات كثير من رجال العلم بفروعه المتعددة. وتحليله النهائي للموقف مفرغ في قالب عبارات مستمدة من علم النفس الحديث مباشرة. وهو يقرر أن مشاكلنا راجعة في جوهرها إلى أن شخصيتنا (وهي القسم الذي يسميه علماء النفس الذات)، حين تبلغ المستوى الثقافي الأعلى، تشعر بعزلتها وتنسى الوشائج الاجتماعية التي تربطها بسائر الجنس البشري يقول:
(في الطبقات العليا من الذات، وفي قمم الخوف الشامخة تكون ذرات الخطأ العاصفة التي تهلك الراعي، ونكبتنا السياسية تهبط من شدة شعورها بذاتها).
ثم يسترسل فيقرر أن هذا الشعور بالوحدة لا مناص منه في الوقت الحاضر، فالانقلاب الاصطلاحي قد هدم قوالب المجتمع التقليدي التي كانت تجعل الناس يشعرون بأن لهم في المجموع الكلي مكانا وأنهم منه جزء قال:
(مهما صممنا على أن نتصرف فان تصميمنا لا بد أن يسلم بهذه الحقيقة: إن الآلة قد حطمت اليوم التقاليد المحلية التي كنا نستمتع بها، وإنها قد أحلت محل روابط الدم والملة رابطة الفرد بذاته، وأرغمت الجميع على أن يعترفوا بأن الوحدة هي طبيعة الإنسان الحق).
ولكنه يسترسل فيقرر أن هذا لا يجعل من المستحيل تكوين نظام اجتماعي جديد. بل هو يقول:
(كل اتحاد حق فهو إنما يبدأ بالشعور بالاختلاف، فللكل حاجات يريدون تقضيتها، ولدى كل فرد قوة يتطوع بها).
فهو يفسر هذه المفارقة: بأنه حين يدرك الإنسان أنه في وحدة بنفسه فحينذاك فقط يستطيع فهم الرابطة الحقة التي تربطه بسائر الناس، وهي أن كلا يشارك الآخرين في الشعور بالعزلة. وأما الوسيلة التي يقترحها للوصول إلى هذا الإدراك، أو للتقدم من الشعور بالعزلة