وكان الألمان يقابلون هذا بالتقرب إلى (الجامعة الإسلامية) لأنها تشمل التقرب من الترك والعرب على السواء، ولكنهم كانوا يطمحون من وراء هذه الجامعة إلى بلاد العرب في طريقهم إلى الهند والأقطار الآسيوية، ويدفعون السلطان عبد الحميد إلى مد خطوط المواصلات في أنحاء سورية والجزيرة تحقيقاً لأحلامهم التي تتلخص في صيحتهم (من برلين إلى بغداد) ثم إلى الهند من هذه الطريق.
فالسياسة الأوربية قد وجدت حركة قائمة فاستفادت منها تارة بالمقاومة وتارة بالتشجيع.
أما أنها تخلقها خلقاً فذلك مخالف للواقع ومخالف لفحوى التاريخ، وهو على هذا وذلك مستحيل.
واليوم تدخل (الجامعة العربية) في طور جديد بفضل كيانها القديم لا بفضل السياسة المصطنعة أو التدبير الخارجي من جانب الإنجليز أو جانب الأمريكيين.
وقد تكون للإنجليز مصلحة في مصادقتها ورغبة في التفاهم بينهم وبينها، ولكنهم يجدون مثل هذه المصلحة في التفاؤل بينهم وبين الإغريق أو التفاهم بينهم وبين الإيطاليين، فلا يقول قائل أنهم خلقوا القومية الإغريقية أو خلقوا القومية الإيطالية، أو أنهم قادرون على تجاهل القوميتين وإحباط ما ترميان إليه إذا تحولت السياسة من خطة إلى خطة في المستقبل القريب، أو المستقبل البعيد.
وكل ما يعنينا أن التفاهم بين الجامعة العربية وكائن من كان من أصدقائها والراغبين في مصادقتها لا ينتهي إلى ضرر يحيق بالاستقلال أو يحيق بالمصالح الجوهرية، أو يتجه بها إلى غير الوجهة التي يرضاها أبناء الجامعة لأوطانهم، ولأوطان العروبة على الإجمال.
ومتى وثقنا من ذلك فنحن الغانمون باتفاق المصالح بيننا وبين الإنجليز وغير الإنجليز، بل نحن خلقاء أن نزيد من هذا الاتفاق في المصالح والسياسات لأننا لا نحب أن نصطدم بسياسة غيرنا تسنى لنا أن نعامله على وفاق.
إن الجامعة العربية حركة طبيعية من قديم الزمن وهي طبيعية في هذا الزمن على التخصيص، لأن العصر الحاضر ينادي باحترام حقوق الأوطان، وأبناء العروبة يذودون عن أوطانهم وينشدون لها نعمة الحرية الكاملة، ولأن العصر الحاضر ينادي بالتعاون في الجوار وأبناء العروبة متجاورون محتاجون إلى التعاون فيما بينهم على المرافق المشتركة