الأدب، وأن الأدب على إطلاقه بلغ لديهم مكانة طغى بها على ما عداه من الفنون وصبغ ثقافتهم بصبغته - برغم بعده عن معالجة الحالة السياسية والاجتماعية فكان كاتبهم في التاريخ وتقويم البلدان وغيرهما من العلوم يتحدث عن الأدباء ويرجع إلى محفوظه من الأدب، وكم من أعلام للشعر العربي لو كان التصوير والنحت رائجين لدى العرب رواج الأدب والشعر لانصرفوا إليهما دونه أو لمارسوهما معه.
ولقد كتب الأستاذ الفاضل محمود خيرت في الرسالة أخيراً يثبت وجود التصوير لدى العرب فلم يعد أن أثبت أنه كان في حالة أولية لا يفتخر بها ولا يغتبط: فإن الفن الذي لا ترى له باقية ولا يمكث له أثر في أدب اللغة وكتبها، ولا يتوصل إلى إثبات وجوده إلا بشذرة شاردة فيحيفة من كتاب، لا يكون فنا قد نال حظا من الرقي وخالط نفوس الأمة واستدعى اهتمام مثقفيها، والحكاية التي رواها الأستاذ عن المقريزي تشهد بذلك، حكاية المصورين اللذين رسماورتين إحداهما كأنها داخلة في الحائط والأخرى كأنها خارجة منه: فإن تفاخر الرجلين بهذا العمل الضئيل ودهش الوزير له وإسباغه عليهما المنن من أجله ووقع القصة من نفس المؤرخ حتى أثبتها في كتابه، كل ذلك لا يدل على ارتقاء الفن في ذلك العصر. بل يدل على كونه في حالة بدئية، وعلى ندرة المصورين المجيدين بل المتوسطي الحظ من الإجادة، وكلام المؤرخ كله يدل على أن التصوير الذي عرف لذلك العهد لم يتعد الصناعة ذات الغرض العملي التي يزاولها الصناع كما يزاولون النقش والطلاء، ولم يرق إلى مرتبة الفن الخالص المنزه عن الأغراض العملية.
إنور المدارس الإيطالية والهولندية وغيرها منتشرة في الأقطار تملأ المتاحف وتتحدث عن نفسها وعن رقى الفن عند أهلها قبل أن تحدثنا عن ذلك مئات الكتب التي الفت فيها، فأين آثار مصوري العرب التي تحدثنا عن مثل ذلك؟ بل أين الكتب المؤلفة فيها؟ بل أين الصور العربية التي كانت وحيا لشعراء العربية كما كانت الصور الأوربية وحياً لوردزورث وتنيسون وغيرهما، أو كما كانتور الأطلال الفارسية وحيا لسينية البحتري؟
لن لخفر بشيء من ذلك إذا طلبناه، ولن يسعنا إلا الإقرار بالحقيقة التي تطالع قارئ تاريخ العرب وأدبهم: وهي أن العرب كادوا أن يكونوا أمة ذات فن واحد هو الأدب وبخاصة الشعر الذي استوعب ملكات جل نوابغهم واحتوى دراسات جل مثقفيهم ذلك بأن العرب