التي (ذرعها سبعون ذراعاً) - وذراع واحدة تكفي! - يشترك هذا كله في إطالة الموقف أمام النظارة وفي حسهم أيضاً، ليتم التناسق بين المشهد المعروض والتأثر المطلوب.
ثم لا تقف المسألة عند الأمر العلوي الذي لا يرد بسحبه في عنف من موقفه، بعد أن أطال التفجع والندم؛ إنما هو يلقي التقريع والتشنيع، فيكشف جرمه على أعين النظارة جميعاً:(إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين) فماذا يكون الجزاء المرتقب بعد السحب والغل، إن كلُّ من في ساحة العرض سيعلمون:(فليس له اليوم ها هُنا حميم، ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون) فهو معذب الحس في طعامه، معذب الروح في نبذه (فليس له اليوم ها هُنا حميم) ليتم جحيم الجسم والروح!
وإذا يبلغ التأثر الوجداني هنا ذروته بعد هذا الاستعراض الحي للبشرية في يوم الهول العظيم، يوم الحاقة القارعة. . . في هذا الأوان الذي تتفتح فيه منافذ النفس جميعاً للإيمان، لا تكون هناك حاجة للتوكيد والقسم والإيمان.
(فلا أقسمُ بما تُبصرون وما لا تُبصرون. إنّه لقول رسولٍ كريم. وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون. ولا بقول كاهن قليلاً ما تَذَكّرُون. تَنزيلٌ من رب العالمين).
لا أقسم. ثم التعميم والتهويل. بما تبصرون وهو كثير. وما لا تبصرون وإنه لأكثر، وإن علمكم كله لقاصر. . . لا أقسم. فالأمر حقيقة:(إنه لقول رسول كريم، هذا القرآن الذي تسمعون أرسل به من عند الله. فما هو بقول شاعر - وإنّ كنتم لا تؤمنون إلا قليلاً - وما هو بقول كاهن - وإن كنتم لا تريدون أن تفكروا في الأمر، وتتعظوا بالتذكر.
ثم يتابع التأكيد المؤثر في الحس والقلب، الموحي بصحة ما ينقل الرسول عن ربه من قرآن ودين، وذلك بتصوير محمد صورة المبلّغ الأمين، ولو أنه خان أمانته ما عصمه من الله عاصم، وللاقى أشد ما يلقاه المبلّغ الخائن، في حسم جازم، لا شفيع فيه ولا نصير.
(ولو تقوَّلَ علينا بعض الأقاويل، لأخذْنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين).
وبهذه الصورة الحسية، صورة الأخذ الشديد باليمين ثم قطع العِرْق الذي يودي قطعه بالحياة، حيث لا يحجزه أحد منهم من هذا المصير المخيف. . . بهذه الصورة الحسية يؤثر في وجدانهم تأثيراً عميقاً شديداً، وهذا الوجدان متفتح من قبل للتأثر. . . وهنا - وعلى