خصومة من اجل الرأي والتفكير، إن الشخصية الحرة هي كل ما يحتاج إليه الأديب الحقيقي. ومهما يكن من قيمة الصداقة الأدبية العظيمة لا ينبغي أن تقتات على هذه الحرية. إن الدكتور طه حسين العميد الرفيع المقام، والزعيم الجليل الشأن في أدبنا العربي الحديث يفهم هذا حق الفهم، وإنه ليعلم أني أقدره أحسن تقدير وأضعه من نفسي في أسمى مكان وأحفظ له على مر الزمن ما أسدى إلي من جميل، ولا أنسى أنه هو الذي ألقى الضوء على وجودي، غير أنه يخطئ إذا فهم أنداقتي له معناها التزام موافقته على كل رأي أدبي يبديه، والتسليم والتأمين على كل ما يخرج من قلمه أو من فيه. إن الحكم المطلق إذالح في دولة السياسة فهو لا يصلح في دولة الأدب. وأني لا أخالديقي الدكتور طه نفسه يرضى لي أو يرضى لفني وتفكيري هذه الحرية المقيدة. هذه هي كل الخصومة التي بينه وبيني. فهو قد استاء مني إذ عارضته في بعض آرائه في مقالات نشرت في (الرسالة) أو في (المصور) وفاته أني أجد لذة عقلية في معارضة منطقه السليم وآرائه المستقيمة دون أن أحفل بالنتائج. ولقد استاء كذلك مني يوم أخرجت الطبعة الثانية من (أهل الكهف) بغير مقدمته، وعقيدتي أنه على حق في هذا الاستياء لو أنه فهم من تصرفي أني قصدت خدش كبريائه، أو أني رأيت أحداً غيره أولى منه بهذا التقديم.
أما وقد فهم أني لم أقصد هذا ولا ذاك، وأن الحقيقة لا تعدو أني شخص بسيط لا أمقت شيئاً في الأدب مثل المقدمات، وأني روح حر يأبى أن يقيد نصوصه بتفسيرات، فضلاً عما قام في ذهني يومئذٍ من إبطائه أنه جاد في وعده بالمقدمة. فهل تراه يصر بعد ذلك اتهامي بسوء القصد؟. أني أحب الحرية، حرية التصرف، وحرية الكلام، وحرية إبداء الرأي. وأعتقد أن أثمن كنز يغدقه المجتمع على رجال الفن هو (الحرية)، وأعتقد أن خير هدية أهديهاديق العزيز علي، هي (الحرية) ولقد بلغ من إخلاصي فيداقتي لطه حسين أن أعطيته (حريتي). فهو لن ينسى أني ما أتصرف في عمل أدبي بغير رأيه، وما استشارني أحد في أمر يتصل بمكتبي إلا أحلت المر عليه، وانتظرت كلمته فيه. على أني أحب من جهة أخرى أن أستعير بعض هذه الحرية أحيانا لأناقشه في فكرة من الفكر، أو أحاوره في مسألة، أو أرد عليه في مقال. فأنا كما يعلم الدكتور طه ذو طبيعة لا تسير على نظام.
إني أعطى كثيراً ثم آخذ فجأة، ثم أعود فأرد ما أخذت. وعلىديقي أن يكون رحب الصدر،