سخي النفس كمصرف فتح لي فيه حساب جار. وإني أشهد أن الدكتور طه يحمل نفساً من أنبل النفوس وأندرها؛ ولقد سجلت هذه الشهادة في قلبي قبل أن أسجلها في كتابي الفرنسي الذي بعثت به إليه منذ شهرين. غير أن الدكتور لم يعرفني حق المعرفة، وأراه يأخذ بعض تصرفاتي على سبيل الجد، حيث لا ينبغي أن تؤخذ على سبيل الجد. ولست أدري ماذا كان يضيره لو أنه غضب ما شاء من رسالتي العنيفة ثم مزقها دون أن يحفل بها، ودون أن يعلن للناس، ودون أن يدخل الناس بيننا؛ وهو يعلم لو رجع إلى قلبه أن لا شئ في هذا الوجود يستطيع أن يحول بيني وبينه، ومع ذلك فل ن هذه الرسالة الغريبة قد أدت إلى الأدب العربي أجل خدمة، فهي التي ألهمت الدكتور كتابة قصة من أروع القصص، وإني أؤكد للدكتور أنها خير نموذج للون جديد في الأدب كان ينبغي أن يوجد. وأخشى أن تحدثني نفسي بتكرير فعلتي كلما تاقت نفسي إلى متعة فنية، وكلما آنست في إنتاجنا الحديث فراغاً.
وبعد، فياديقي الدكتور أنا محزون حقا. فقد فكرت، فإذا خطيئتي بديهية، فقد كان يجب على الأقل أن أستشيرك قبل أن أبعث بتلك الرسالة. فماذا ترى في موقفي منك؟ ويزيدني حزناً لطفك حين تتجاوز في سهولة وكرم عن كل هذا.
إنما أنت في حقيقة الأمر فنان كبير، فنان حقا. وإني لأعترف بأني لم أمنح هذه النفس، ولست أنا خليقاً بالفن ولا بك.
واليك الآن ما تمت عزيمتي عليه إذا احتفظت بغضبك على فسأعرض عن كل حياة أدبية
توفيق الحكيم
تعليق
نقلنا في العدد الماضي عن الوادي ما سماهديقنا الدكتور طه (قصة تمثيلية للأستاذ توفيق الحكيم)، لأن (الرسالة) كانت مسرحاً لهذه الرواية، فمن حق قرائها الذين لا يصل إليهم الوادي أن يشهدوا فصلها الأخير، ولأن (الرسالة) سجل لأوان الأدب الحديث، فمن حق الأدب أن نسجل في تاريخه ما يقع بين رجاله من الخلاف الجدي فيه كاملاً غير منقوص. ولهذين السببين نقلنا أيضاً عن الوادي ما كتبه الأستاذ توفيق الحكيم تعليقاً على تلك