جدته، وهي شغب أم المقتدر، فأخذوا جميع ما بين أيديهما من الكتب، فجعلوه في منديل أبيض كان معهم ومضوا. فاغتاظ الراضي. فسكن منه أستاذه، وأفهمه أنهم أردوا أن يمتحنوا الكتب. ولما مضت ساعتان أو نحو ذلك ردوا الكتب بحالها، فقال لهم الراضي: قولوا لمن أمركم بهذا: قد رأيت هذه الكتب، وإنما هي حديث وفقه وشعر ولغة وأخبار وكتب العلماء. وليست من كتبكم التي تبالغون فيها مثل عجائب البحر، وحديث سندباد، والسنور والفأر.
وظل المقتدر على عرش الخلافة زهاء خمسة وعشرين عاماً، والنساء من حوله يحكمن.
ومن الطرافة أن نذكر هنا أن المعتضد كان قد تنبأ لابنه المقتدر بأن النساء سيستولين عليه. حدث صافي الحرمي مولي المعتضد قال: مشيت يوماً بين يدي المعتضد، وهو يريد دور الحرم فلما بلغ باب (شفـ) أم المقتدر، وقف يتسمع ويتطلع من خلل الستر فإذا هو بالمقتدر، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس، وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فيه عنقود عنب في وقت لا يوجد فيه العنب، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الوصائف كلهن على الدور، حتى إذا بلغ الدور إليه أكل عنبة واحدة، حتى فني العنقود، والمعتضد يتميز غيظاً. فاهتم ورجع، فسألته فقال: والله يا صافي لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإن في قتله صلاحاً للأمة. فقلت يا مولاي حاشاه، أي شيء عمله؟ أعيذك بالله من اللعين إبليس. فقال ويحك، أنا أبصر بما أقول. أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولا بد من موتي، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي، وسيجلسون ابني علياً (يعني المكتفي)، وما أظن عمره يطول للعلة التي به (يعني الخنازير التي كانت في حلقه) فيتلف عن قريب، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي، فلا يجدون بعده أكبر من جعفر (يعني المقتدر) فيجلسونه وهو صبي، وله من الطبع في السخاء هذا الذي رأيت فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، ويقسم ما جمعه من الأموال كما قسم العنب.
وكانت الصورة كما قال المعتضد بعينها.
وفي عهد المقتدر اشتد سلطان امرأة أخرى يقال لها (زيدان) وكان لها طبيب خاص بها، هو عيسى البغدادي، يحمل الرقاع بين الوزراء وربما حملها إليها لتعرض ذلك على