وإذا تتبعنا أخبار هؤلاء النساء والقيان، نجد أنهن، حوالي سنة ٣٠٠هـ، أصبحن ذوات سلطان كبير. ويذهب آدم متز إلى أنهن كن يطالبن بالحق في المهام الكبيرة - وما أشبه الليلة بالبارحة - لأن أبن بسام الشاعر يقول:
ما للنساء وللكتا ... به والعمالة والخطابة
هذا لنا، ولهن منا ... أن يبتن. . .
على أن القرن الرابع قد أمتاز بالقهرمانات؛ فقد كان لهن الأمر كله، وكن يعملن الأعمال الكبار؛ يعزلن الوزراء ويولين الولاة، ويجلسن للمظالم. وقد ذهبن إلى أبعد من هذا وذاك، فكن يقضين بين الناس. فأم موسى القهرمانة هي التي أوصلت أبا الحسين بن أبي البغل إلى الوزارة، فكان لا يخرج عن أمرها وكانت تجلس أخاً لها عند القصر، فيلقاه الناس وأصحاب الحوائج فيأخذ رقاعهم وشكاواهم وقصصهم إليها.
وهي التي أغرت المقتدر بالله والسيدة أمه، بعلي بن عيسى بن داو ود في وزارته (سنة ٣٠٤) فقبض عليه وأودع السجن.
وهي التي كانت تزيد في أرزاق الخدم وتنقص منها.
والسبب في تدخل هؤلاء القهرمانات في أمور الدولة، ضعف المقتدر. فقد كان مشهوراً بالتدبر بآراء النساء. وكانت السيدة والدته وخاطف، ودستنبويه، أم ولد المعتضد، يدبرن الأمر لصغره. ثم ظل تدخلهن جارياً. وهكذا انتقلت الحكومة في أيامه، في بغداد، من الرجال إلى النساء.
وفي سنة (٣٠٦هـ)، صار الأمر والنهي لحرم الخليفة - المقتدر دائماً - ولنسائه. وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر قهرمانة لها تعرف (بمثل) أن تجلس للمظالم بالتربة التي بنتها بالرصافة، وأن تنظر في رقاع الناس كل جمعة، فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها.
وقبضت أم المقتدر على زمام الأمر. وامتد سلطانها على كل شيء حتى إنها كانت تراقب - لحذرها - ما كان يقرأه أبناؤها. وقد ذكر الصولي انه كان يوماً عند الراضي يقرأ عليه شيئاً من شعر بشار، وبين يدي الراضي كتب لغة وكتب أخبار، إذ جاء خدم من خدم السيدة