فلما ولي هارون الخلافة كانت الخيزران هي الناظرة في الأمور، وكان يحي بن خالد يعرض عليها ويصدر عن رأيها. وكان الرشيد لا يعصي لها أمراً. وقد ذكر الطبري أن الرشيد لما عاد من دفنها، دعا الفضل بن الربيع وقال له: وحق المهدي، إني لأهم لك من الليل بالشيء من التولية وغيرها، فتمنعني أمي، فأطيع أمرها.
أما بعد مقتل البرامكة فقد استبد الرشيد برأيه، حتى إن ظئره أم جعفر - وكانت قد أرضعته وربته - دخلت عليه أيام النكبة، فتلقاها وأكب على تقبيل رأسها ومواضع ثدييها. فقالت يا أمير المؤمنين: أيعدو علينا الزمان ويجفونا، خوفاً لك، الأعوان، وقد ربيتك في حجري وأخذت برضاعك الأمان من عدوي ودهري. . . ثم أخذت تستشفعه في يحيى والفضل، فلم يسمع لها ولم يرق لكلامها.
ولم يكن لزبيدة من الأمر، زمن الرشيد ما كان للخيزران وإن كانت هي أيضاً ذات سلطان. وكانت تهب وتصل وتعطي وتستشفع، ولكنها ما كانت لتتدخل في شؤون الدولة. ولعل ذلك راجع إلى البرامكة الذين استولوا على الأمور كلها.
وفي الحقبة الممتدة بين خلافة المأمون والمعتضد، نلاحظ تدخل القيان من مسمعات ومغنيات وشو اعر في أمور الدولة. ونلاحظ عظيم سطوتهن عند الخلفاء. فكن يستشفعن ويقربن ويولين ويبعدن. وإن كان بعض هذا قد حدث زمن الرشيد أيضاً. فقد كان كلفاً بذات الخال فحلف لها يوماً أن لا تسأله شياً إلا قضاه، فسألته أن يولِّي رجلا يحبها، الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك وكتب عهده به وشرط على ولي العهد بعده أن يتمها له إن لم تتم في حياته. ولعله أجابها إلى ما سألت ليخلو له الجو. . .
ويذكر الأصبهاني أن إبراهيم بن المدبر، لما سجن، سألت عريب - وما أدراك ما عريب! - الخليفة في إخراجه، فوعدها بما تحب، ثم أطلقه.
وكانت القيان ذوات السلطان، يتعصبن لطائفة سياسية، ويشايعن مذهباً، ويقضين حوائج أهله عند أولي الأمر. وقد ذكر أبن المعتز أن فضلا الشاعرة - وكانت في نهاية الجمال والكمال والفصاحة وجودة الشعر - كانت تتشيع، وتتعصب لهذه العصابة من الناس، وتقضي حوائجهم بجاهها ومنزلتها عند الملوك والأشراف.
وغضب الواثق مرة على إسحاق الموصلي، فرضته عليه فريدة جاريته، وكانت فريدة