عن القياس العربي، فإذا لم يكن في ذلك كله توالد للمعاني، فمن أي شيء إذن يكون هذا التوالد؟!
ويقول الأستاذ: إنه كان يحب منا (أن نقرأ في كتب الرجال، وبخاصة الصحابة والتابعين، لنعرف ما خص الله به هؤلاء القوم من حافظة قوية وذاكرة وقادة.
وما كان يحبه الأستاذ منا قد قمنا به، بل زدنا عليه، فقد أبعدنا النجعة في مطارح البحث، حتى انتهينا إلى منطقة وجدنا فيها أن الصحابة كانوا يرغبون عن رواية الحديث، بل كانوا ينهون الناس عنها. ومما ألفيناه من أسباب ذلك أنهم كانوا يخشون أن تخونهم هذه الحافظة (القوية) فيروون الحديث على غير ما نطق به النبي فيبدو وقد أصابه التحريف أو الزيادة أو النقصان! وهم لم يكونوا يروون ما يروون عند سماعه ولا بعد سماعه بقليل، وإنما كانوا يفعلون في المناسبات، وقد لا تتهيأ هذه المناسبات إلا بعد سنين طويلة، فكان كل صحابي يروي ما يجدوه في ذهنه من معنى الحديث الذي سمعه من النبي (ص) أو من أحد أصحابه أو من التابعين، إذا لم تكن رواية الصحابة موقوفة على ما يسمعونه من النبي فحسب، فيعبر عنه بألفاظ من عنده ومن هنا جاءت رواية الحديث الواحد بألفاظ مختلفة.
وإلى الأستاذ بعض الأمثلة مما عثرنا عليه في بحثنا:
جمع أبو بكر الصديق الناس بعد وفاة نبيهم وقال لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. ونسي عمر حديث تيمم الجنب، وعلى أن عماراً قد ذكره به فإنه لم يذكره!
وقال عمران بن حصين: والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله يومين ولكن بطأني عن ذلك أن رجالا من أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت ويتحدثون أحاديث ما هي كما يقولون وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم فأعلمكم أنهم كانوا يغلطون وأنهم ما كانوا يتعمدون!
وقيل لزيد بن أرقم حدثنا عن رسول الله فقال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله شديد. وكان عبد الله بن مسعود - وهو من هو - يتغير عند ذكر الحديث عن رسول الله، وتنتفخ أوداجه ويسيل عرقه وتدمع عيناه ويقول، أو قريبا من هذا! أو نحو هذا، أو شبه هذا. كل