ذلك خوفا من الزيادة والنقصان أو السهو والنسيان. وسأل مالك بن دينار ميمون الكردي أن يحدث عن أبيه الذي أدرك النبي وسمع منه فقال: كان أبي لا يحدثنا عن النبي مخافة أن يزيد أو ينقص!
ولهذه الأخبار نظائر كثيرة أوردنا طائفة صالحة منها في كتابنا.
وعلى أن الأستاذ قد اعترف بأن رواية الحديث بالمعنى كان لها ضرر من الناحيتين اللغوية والبلاغية فأنه قد منع أن يكون لها ضرر من الناحية الدينية. ونحن نعجب أن يخفي على مثله هذا الأمر وهو مشهور بين الفقهاء جميعاً.
وإذا كان الكلام في ذلك يطول فإنا نحيل الأستاذ إلى ما كتبه العلامة نجم الدين الطوخي في آخر كتابه (صفة المفتي) وإن أبى إلا أن يرى أمثلة على ذلك من بعض الأحاديث ليعرف ما جرى فيها من خلاف بين الفقهاء - ولا شيء أضر من الخلاف - بسبب رواية الحديث بالمعنى؛ فليرجع إلى حديث استفتاح الصلاة بسورة الفاتحة، وإلى الحديث الذي أوردناه من قبل وهو (زوجتكها بما معك).
٣ - تكلم الأستاذ عن الحديث الذي قلنا إنهم استجازوا به وضع الحديث وهو: إذا لم تحلوا حراماً ولم تحرموا حلالا - وأصبتم المعنى - فلا بأس. فقال: وهذا الحديث بعضه لا يدل على الوضع! وإن في قوله وأصبتم المعنى ما يدل على أن الحديث قيل تجوزاً للرواية بالمعنى!
ولم يقل أحد إن بعض هذا الحديث صحيح، وبعضه الآخر موضوع! وإنما ذكر الجوزقاني وابن الجوزي أنه موضوع. ولو أن هذه العبارة التي قضى الأستاذ بصحتها كانت معروفة للصحابة لمنعت من تحرج من تحرج منهم من رواية الحديث! ولرفعت ذلك الخلاف الكبير الذي وقع بين العلماء في جواز رواية الحديث بالمعنى وعدم جوازها.
على أنه قد وردت أحاديث صحيحة تقطع بأنه صلوات الله عليه ما كان يريد إلا أن تروى أحاديثه على حقيقة لفظها مهما تحري الراوي في إصابة معانيها، ولم يكن ليشدد في عدم استبدال لفظ بلفظ فحسب وإنما كان يضرب عليه، فقد روى أصحاب السنن هذا الحديث: نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع). وهذا الحديث القولي قد أيده النبي بسنة عملية؛ فقد روى البخاري وغيره عن البراء بن عازب أن رسول