الله علمه دعاءً يقوله عند ما يأتي مضجعه، ومن هذا الدعاء:(آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) فقال البراء يستذكر ما علمه النبي (وبرسولك الذي أرسلت) فقال له النبي (وبنبيك الذي أرسلت) وفي بعض الروايات فطعن في صدره ورده إلى الرواية الصحيحة. ومعلوم أن اللفظ الذي جاء به البراء يؤدي المعنى وأكثر، فهو بهذا قد أصاب المعنى ولكن النبي لا يريد ممن يروى عنه إلا أن ينقل كما سمع.
٤ - ويقول الأستاذ عن كلمة (معتمدا) التي جاءت في بعض روايات حديث من كذب على: إن القاعدة عند المحدثين أنه إذا تعارضت الروايات رجح الأكثر والأقوى، وهنا ترجح رواية ذكر اللفظ ويحمل المطلق على المقيد!!
ولا نطل القول في مناقشة هذه القاعدة ولا في طلب الدليل على هذا الأكثر والأقوى!! وإنما نقول إن علماء الحديث قد جعلوا للترجيح اعتبارات متعددة، منها اعتبار الإسناد، ومنها اعتبار المدلول وغير ذلك. وقالوا في اعتبار الإسناد إن رواية أحد كبار الخلفاء ترجح على غيرها، وكذلك ترجح رواية من كان فقيهاً ومن كان أكثر مخالطة للنبي الخ ورواية هذا الحديث بغير كلمة (معتمدا) قد نالت كل اعتبارات الترجيح فقد رواها ثلاثة من الخلفاء الراشدين وهم كبار فقهاء الصحابة وأكثر مخالطة للنبي، والزبير بن العوام - وهو من هو يؤيد روايتهم ورواية غيرهم من كبار الصحابة ويقسم بأن النبي لم يقل هذه الكلمة، وفي سنن ابن ماجه عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس ابن مالك قال رسول الله من كذب عليّ - حسبته قال معتمداً فليتبوأ مقعده من النار. ورسالة الشافعي التي هي الأصل الأول لعلم الأصول ومؤلفها أقرب إلى معين السنة الصافي قد ورد فيها هذا الحديث بصيغ كثيرة لم يأت في واحدة منها كلمة (معتمدا). وابن قتيبة الذي قالوا إنه لأهل السنة كالجاحظ للمعتزلة لم يوردها في كتابه (تأويل مختلف الحديث) الذي دافع فيه عن رجال الحديث إلا بغير هذه الكلمة. على أن الأقرب إلى العقل السليم والأشبه بخلق النبي العظيم أن تكون الرواية التي جاءت بغير هذا اللفظ هي الصحيحة، والتي يطمئن بها القلب؛ لأن الكذب هو الكذب.
٥ - ذكرنا في كلمتنا أن تدوين الحديث قد تقلب في أدوار أربعة، فكان في أول أمره مشوباً بغيره من أقوال الصحابة في التفسير وغيره من مسائل دينية أو طرق أدبية الخ مما كانوا