يعنون بجمعه وتدوينه على طريقة العصر الذي وقع فيه التدوين من غير ترتيب ولا نظام إلى أن جاءت طبقة ابن جريج الخ) فقال الأستاذ من أين وصلنا إلى ذلك! ونحن نذكر له بأن كل من درس تاريخ التدوين في الإسلام وبخاصة في عصر بني أمية يعرف ما عرفنا ويصل إلى ما إليه وصلنا، وإذا أراد أن يقف على (طفولة التدوين الإسلامي) فليرجع إلى مظانه، ولكي لا نشق عليه بكثرة البحث في المصادر الكثيرة نحيله إلى أدنى المصادر عليه: الجزء الثاني من كتاب ضحى الإسلام للأستاذ الكبير أحمد أمين بك. والجزء الثالث من تاريخ التمدن الإسلامي لجو رجي زيدان بك.
٦ - قال الأستاذ في أول مقاله إنه تتبع الحقائق التي وصلت إليها فوجد أن فيها ما يجافي الحقيقة! ولم يكن مبنياً على دراسة عميقة!. راجعة إلى مصادر الحديث الأصلية!! ولا يؤاخذنا الأستاذ بما نصارحه به من أنه قد تعجل في الحكم وأسرع في القضاء، ذلك بأنه لم يقرأ الكتاب كله ولا درس مواده وفصوله، ولا عرف مراجعه وأسانيده، وكل الذي رآه منه إنما هو (لمعة ضئيلة عنه) وقد كان عليه إذا آثر الحق والعدل أن يستأني في الحكم ويتمهل في إبداء الرأي حتى يطلع على ذلك كله ثم يصدر بعد ذلك حكمه.
٧ - وفي ختام مقالته جاءت عبارة غريبة لا أدري كيف أرسلها، ذلك أنه يقول، إن مما يحتاج إليه عالم الحديث (الرحلة في سبيله إلى من أحاط به خبراً!!).
وإني ولا مراء في الحق لم أكد أفهم ما هي هذه الرحلة التي يحتاج إليها علم الحديث في هذا العصر! وكذلك لم أعرف إلى أي الأقطار تكون؟ ومن هم أولئك الذين قد أحاطوا بعلم الحديث خبراً حتى نرحل إليهم ونأخذ عنهم!
أني لم أكد أعرف من ذلك كله شيئاً، وإنما الذي أعلمه أن طلاب الحديث في القرون الأولى هم الذين كانوا يحتاجون إلى الرحلة ليتلقوا الأحاديث من أفواه الرجال إذ كانت سلسلة الرواية في هذه القرون متصلة، والحفاظ يومئذ هم أوعية الحديث لا يوجد إلا عندهم ولا يؤخذ إلا عنهم، أما الآن وقد انقصمت هذه السلسلة بتدوين الحديث وأصبحت الكتب هي المراجع الصحيحة للحديث - وهي من كل طالب على حبل الذراع - فإن هذه الرحلة قد صارت لا حاجة إليها ولا غناء فيها. على أن عهد الحفظ نفسه قد انقطع أثره منذ قرون، حتى قالوا إنه قد ختم بالحافظ ابن حجر، وانقضى على أثره عهد المحدثين.