ويعجبني جمال الخلق الذي عفا معظمه في المدن، فالفضيلة لا تزال محافظة لكيانها في القرية، فلا بغاء ولا فحش، ولا يمكنك أن ترى قروياً ثملاً في أحد طرق البلدة، بل إن أغلب القوم متمسكون بالعروة الوثقى. والشرف ظاهر في جوانب الحياة، والكرم والسخاءفتان ملازمتان للقروي والقروية.
توقظك في الصباح الباكريحات الديكة المتناوبة، وزقزقة العصافير المرحة، فإذا أطلّت الشمس من خدرها مؤذنة الحياة والكد والعمل، خرج الفلاحون من دورهم إلى حيث انعامهم فجهزوها ورووها بالماء وقادوها إلى العمل طوال النهار، ويعطف القروي عليها ويحنو، عطفاً كبيراً وحنواً زائداً، ولا عجب فهي ذراعه اليمنى التي يعتمد عليها في حياته، تطعمه وتهيئ أرضه للزرع.
ينعم الفلاحون في الحقل بكثرة العمل ونقاء الهواء وضوء الشمس إلى أن يؤذنهم غروبها بوجوب العودة إلى دورهم وهم في ذلك أيضاً أول ما يعنون به بهائمهم يقودونها إلى حضائرها وينثرون أمامها التبن والفول أو البرسيم والعشب، أما هم فتمد لهم ألوان الطعام على الأرض وهو طعام دسم كثير وهو الوجبة الوحيدة التي يعتمدون عليها في غذائهم فضلاً عن وجبة أخرى أو وجبتين من الخبز والجبن المخزون.
وفي العشية والمساء يجتمع أهل القرية جماعات في البيوت أو خارجها على المصاطب يتسامرون، أو يهيئونفقة بيع أو يتفقون على ري قطعة من الأرض بعد قطعة، أو يصلحون بين متخاصمين وتلحظ عليها جميعا روح المعاونة والحب.
وعلى ضفة النهير الذهبية برملها المبلور اللامع ترى الفتيات النواهد الحسان كلهن في جلابيبهن السوداء قد بدون سافرات الوجه في زينة طبيعية جميلة، وما أجمل الوجه القروي الناعم الذي لم تعمل فيه يدناع! وقد حملن فوق رؤوسهن الجرار، هذه تغسل جرتها وقد ارتسم جسمها الجميل علىفحة الماء الصافي، وتلك تغترف من الماء ما هي في حاجة إليه، وضفة النهر في هذه الفترة من كل يوم في نظري ناد لأولئك الفتيات يتقابلن فيه ويتحدثن عنده ويستعرضن يومهن الذي خلا، وقد يغنين بصوت متناسق جميل أناشيد قروية طريفة:
وأظهر ما تلحظه في القرية اليوم نوع من الركود المالي، فبعد أن كانت عقب مواسم الحصد نشطة بحركة بيع المحصول بالأثمان العالية أصبحت متأثرة بالأزمة، فأسعار رزق