العلمية في جميع أرجاء الأرض بقليل أو كثير فيما يتخذ من أسباب ونظم لإصلاح العمران. ولقد نهض أستاذك الإمام محمد عبده رحمه الله منذ أكثر من نصف قرن ليعمل على إصلاحه، ويجعل له مقاماً يعلو به فاصطلحت عليه قوتان تعارضانه وتصدان عن سبيله، أولاهما من كان بيدهم الأمر يومئذ، والأخرى المعوقون من الشيوخ الذين تراهم في كل زمان لا يعملون صالحاً، ولا يقبلون إصلاحاً، فقضى رحمه الله ولما يقض ما كان يحبه ويصبو إليه.
وجاء الإمام المراغي فكان كل ما رأيناه في عهده أن تحرك الأزهر (في مكانه) ولم يستطع الشيخ رحمه الله على كثير ما سعى أن يزحزحه أو يخطو به، - واليوم - يلقى أمر هذا المعهد العظيم على عاتقك والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ينظرون إلى ما سيكون شأنه في عهدك، ويرقبون تحقيق ما يأملونه على يدك. وإنك اليوم للمرجو والمسئول بين يدي الله وأمام العالم الإسلامي عن إصلاح هذا المعهد وتقويم ما اعوج منه، فامض في هذا السبيل بقوة وعزم، واحشد لما تتخذ من ذرائع وما تبتغى من أسباب صادق العزم. ولا تن في ذلك فقد توافرت فيك - ولك - كل أسباب الإصلاح وعوامل النجاح. فأنت في نفسك من الفضل والعلم والكفاية بأعلى مناط العقد، وأمامك الفاروق يأخذ بيدك في الإصلاح إلى أقصى حد، ووراءك الصفوة المختارة من طلاب الأزهر وشيوخه - والأمة جميعا معهم - يؤيدونك في كل قصد، حتى يبلغ الأزهر مكانته اللائقة به بين جامعات الأمم، ويفاخر بحق بأنه كان أول جامعة شقت حجب الجهالة بين العرب والعجم.
أيها الأستاذ الجليل: لقد انشرحت صدور المسلمين جميعا بتوليك مقاليد أمور الأزهر وتمنوا أن يكون الله قد استجاب فيك دعوة أستاذك الإمام التي دعا بها قبل موته حيث قال:
فبارك على الإسلام وارزقه مرشدا ... رشيدا يضيء النهج والليل قاتم