وأنا أحد الذين كانوا يزعمون لأنفسهم أنهم ممن يهتمون بقضية فلسطين ويتتبعون خطواتها، ويهتفون بها هتاف المتحمسين لها. . . وقد تضمن ديواني الأول منذ أكثر من عشر سنوات تحية لأبطال فلسطين جاء فيها:
عهد على الأيام ألا تهزموا ... فالنصر ينبت حيث يهراق الدم
في حيث تعتبط الدماء فأيقنوا ... أن سوف تحيوا بالدماء وتعظموا
تبغون الاستقلال؟ تلك طريقه ... ولقد أخذتم بالطريق، فيمموا
وهو الجهاد حمّيةٌ جشَّامة ... ما إن تخاف من الردى أو تحجم
إن الخلود - لمن يطيق ميسّرٌ ... فليمض طلاب الخلود ويقدموا
وطن يقسّم للدخيل هديةً ... فعلام يحجم بعد هذا محجم؟
الشرق. يا للشرق! تلك دماؤه ... والغرب. يا للغرب! يغريه الدم
الشرق. ويح الشرق! كيف تقحموا ... حرماتِه الكبرى وكيف تهجموا
غرتهمو سِنة الكرى فتوهموا ... يا للذكاء! فكيف قد غرتهمو!
سِنة ومْرت والنيام تيقضوا ... فليعلموا من نحنُ أو لا يعملوا!
أبطالَ الاستقلال. تلك تحية ... من مصر يبعثها فؤاد مفعم
إخواننا في الحال والعقبى معاً ... إخواننا فيما يلذ ويؤلم
مصر الفتاة ولن تزال فتية ... تهفو إليكم بالقلوب وتعظم
في كل مطلع وكل ثنية ... نار من الشرق الفتي ستضرم
أنا الذي زعمت لنفسي يوم نظمت هذه القصيدة، وأيام تتبعت قضية فلسطين في مراحلها المختلفة أنني ممن يعرفون هذه القضية. أشهد أن رواية (شيلوك الجديد) قد أطلعتني على أنني كنت واهماً فيما زعمت، مغالياً في حقيقة اهتمامي بهذه القضية المقدسة، فلقد كشف لي الأستاذ (باكثير) عن حقيقة وضع القضية، وحقيقة العوامل التي تتصارع فيها، بما لم يكشفه لي كل ما وصل إلى يدي عنها في خلال خمسة عشر عاماً أو تزيد.
ولكنني أختلف مع الأستاذ (باكثير) في أمر واحد. ذلك أنه يبدو في سياق الرواية وفي ختامها أنه واثق بأن هناك شيئاً اسمه (الضمير البريطاني) أو (الضمير الغربي) على وجه العموم. يبدو ذلك في فصل (المحاكمة) الذي عقده في نهاية المسرحية!