السوقة وأصحاب المهن، ومن أراد التخصص فتحنا له بابه، وعجلنا له دخوله وقويناه فيه. وهذا إيجاز للاقتراح والشرح حاضر إن احتاج إليه القراء.
أما التعليم الديني فلنعد فيه إلى مثل الطريقة الأزهرية الأولى مع إصلاح يسير فيها، فقد ثبت أنها أنفع وأجدى، دنيا وأخرى، وأن تلك الثورة عليها حتى تم العدول عنها، والقضاء على الجامعة الأزهرية، كان فيها إغراق أدركناه الآن. وأنا أعرف الأزهر الجديد وأعرف كليات ثلاثاً أنشيءت على غراره في دمشق وبغداد وبيروت علمت فيها كلها، وأشهد لله شهادة حق أن الأزهر القديم كان في الجملة خيراً منها، إذ كان أهله يطلبون العلم لله وللعلم فصار أهلها يطلبون للشهادات والوظائف، وكانوا يصبرون على تلك الحواشي المطولات وإن تكن عقيمات، فصار هؤلاء لا يقرءون إلا خلاصات يجوزون بها الامتحانات. وكانوا علماء عاملين لدينهم أهل تقي وورع في سمتهم وسلوكهم، وسرهم وعلنهم، فصار بعض المدرسين واكثر التلاميذ. . . صاروا على حال من عرفها فقد عرفها ومن جهلها فلا يسأل عن الخبر.
وأنا لا أعمم ولا أطلق القول، وإنما أعني الكثرة ممن أعرف، ولعل فيمن لم أتشرف بمعرفته خيراً لم يصل إليَّ علمه ولا بلغني خبره - هذا على أن تكون المدارس الدينية بمثابة مدارس الاختصاص لا يدخلها الطالب إلا بعد أن يدرس هذه الدراسة الثانوية ويفهم علومها ويأخذ شهادتها، لأنها ثقافة عامة يحتاج إليها عالم الدين وعالم الدنيا والموظف وصاحب العمل الحرّ.
ولا بأس بعد بارتياد مناهل العلم في غير بلادنا، على أن يطلب فيها العلم المبني على المشاهدة. أما علوم الرواية وما أصوله عندنا، كعلوم العربية فلا، وهذه الحماقة التي كان أتاها الفرنسيون إذ أرسلوا شبابنا يتعلمون العربية في باريس لا يجوز أن تعاد، وحسبنا أن صلينا نحن نارها، وتجرعنا صابها، (ولا نزال نتجرعه. . .) وأن أضحكنا الناس علينا، وزدنا طلابنا على ضعفهم في لغتنا ضعفاً.
هذه كلمة صغيرة في موضوع كبير، أعرف أنها تثير مناقشات وتحتمل جدالاً، وأنها لم تلم بأطراف الموضوع ولم تستوف البحث فيه وإنما هي تنبيه إلى الفساد، ودعوة إلى إصلاح، أهديتها إلى إمام المربين ساطع بك الحصري، لأنه مرجع هذا الفن أولا، ومرجع كل أمر