والمجاز، واستعملوا المحسنات البديعية ليخفوا المعنى الصريح الذي يريدون.
ولا كان كذلك الأدباء في عهود الأدب الزاهرة، وما زلنا نقع كلما شققنا كتاباً من الكتب القديمة، على المعاني تلتمع صريحة واضحة. ولا مشاحة في أن العهود الماضية كانت عهود تماسك خلقي، والوازع الديني أشد ما يكون أخذاً للناس في أسباب الحياة، فإذا نزع الأدباء في هاتيك الأزمان إلى الصراحة التي نستهجنها اليوم في كتب الأدب الحديث، فإنما يحمل ذلك على أن الكتب لم تكن متداولة قديماً إلا بين الخاصة، فلا خطر ولا ضرر من شيوع بعض ما فيها من ألفاظ قد يأباها الذوق أو يأباها العرف.
أما الآن، ونحن في عصر تزايل خلقي، فلا مرية في أن الذوق لا يستسيغ كثيراً من الألفاظ كالتي استعملها الجاحظ مثلاً في كتاب الحيوان أو كتاب المحاسن والأضداد، ذلك لأن هذه الكتب أمست في متناول الناس جميعاً، يطالعها الأستاذ ويطالعها تلميذه، ومن ثم يكون الضرر في الشيوع.
غير أن للتاريخ حرمة، فينبغي ألا تحل كلمة محل أخرى، ولا يحذف لفظ ليظهر مكانه خاوياً ويكتب في هامشه مثل هذه العبارة (كلمة تنافي الأدب) أو غير ذلك، فالحذف هنا لا يتفق والأمانة الماضية، وقد يذهب القارئ مذاهب شتى في تأويل اللفظة المحذوفة، فيجئ الضرر على حين قصد الناشر النفع.
لقد قرأنا كثيراً من الكتب القديمة التي أعيد طبعها وتصويبها ففزعنا لكثرة ما حذف منها من العبارات (النابية) أو (التي تنافي الأدب)، فاضطررنا إلى الرجوع إلى الطبعات القديمة الممسوخة الطبع والمشوهة الحروف، فوقعنا منها على الأصل القريب. ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا ما قلنا إننا في كثير من الأحيان لم نر نبواً ولا خروجاً على الأدب المألوف.
على أن للعلم حقه، وهو فوق الأدب، وفوق الذوق، والناس لا يجترئون على حذف لفظ من ألفاظ القرآن الكريم أو الكتب المقدسة الأخرى، ولا يطمسون ألفاظاً في الحديث الشريف بحجة قصاراها أنها لا تتسق والعصر الحديث. فأحرى بالناسخين أن يبقوا على أمانتهم تلك في نشر الكتب القديمة، وليس شيء أولى بالاتباع من الحق الصريح.
٢ - فيشر ومعجمه:
قالوا: إن إرادة مجمع فؤاد الأول للغة العربية أرسلت تستفسر عن مصير المستشرق