للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كله. ويزيد في ولهي ما بك من سمو ساذج يصدر من القلب. فلست كمن شاهدت من النساء يتصنعن السمو في نظرة أو لفتة أو مشية، فلا يعدو الأمر الظاهر. إن ما بك من فضائل يا حنان يسحر لبي ويملك قلبي.

فاعتدلت حنان وعيناها تفيضان حباً، وقالت وصوتها يصوّحه الوجد:

- وأنت يا حازم. أما تعرف أنك سيد قلبي؟ لست أملك فصاحتك فأصف لك حبي؛ ولكنني أشعر. . . أشعر أنك كل شيء في حياتي؛ فطيفك يلازمني في يقظتي وأحلامي. وإني لأمرض لبعدك وأسعد بقربك. آه يا حازم إن حبي لك لعظيم!

- إن روحينا يا حنان قد امتزجتا؛ فما من قوة تفرق بيننا. أنا سعيد يا حنان. وما أستطيع أن أكتم سعادتي فأنا أرددها لكل ما حولي، للشجر والطيور، للقمر والنجوم. وأوحي بها إلى كل من يصادفني فتنبسط الأسارير وتبتهج الأنفس. ما أجمل الحياة إذا ملأها الحب والسعادة معاً. . . وسكت حازم فجأة فقد بدت في عيني حنان سحابة حزن انحدرت دمعاً. ولم يلبث أن صاح:

- حنان أنت تبكين؟ بالله أما تفصحين! فكم لمحت هذا الشجن يكسر طرفك ويؤلم قلبي. ولكن غمرة السعادة جارفة فما كان ألمي يدوم أطول من خفقه، والآن أنت تبكين فما أستطيع صبراً. بالله يا حنان ماذا بك؟ حدثيني.

لم تستطع حنان أن تغالب الدمع فقامت تجري وارتمت على مقعد قريب تذرف العبرات. وأسرع حازم وراءها وجلس بجانبها يجفف دمعها ويخفف تأثرها: أنا آسف يا عزيزتي؛ فما أردت أن أثير ذكرى أو أنكأ جرحاً. وإنما ظننت أن الإفضاء بذات الصدر يرفع عن النفس الحمل. هيا يا حنان. انسي كل شيء ولا تفكري في غير حبنا وسعادتنا.

فأجابت حنان على الفور: (لا يا حازم، يجب أن تعلم. فأنا. . . ولكن البكاء غلبها فلم تنبس بغير شهقة. فمدت يدها إلى حقيبتها وظلت تبحث فيها وهي لا تستطيع الكلام ولا تنقطع عن البكاء حتى أخرجت (دبلة) ذهبية وضعتها في بنصرها الأيسر. وكان حازم يتبعها بنظره مشدوهاً، لا يعي ما تفعل؛ ولكنه سرعان ما صرخ فزعاً: (أنت يا حنان. أنت!) فأجابت بحزن عميق: (نعم يا حازم. تلك مشيئة القدر) وساد سكون طويل أثقله صمت الطيور كأنها أشفقت من التغريد على قلبين يتعذبان. ساد السكون فبدا صوت حازم

<<  <  ج:
ص:  >  >>