المتصاعد فاجعاً يرسل القشعريرة إلى البدن. لمَ يا حنان؟ لمَ تركتِني أتدله في حبك؟ لم هذه القسوة؟ ثم أمسك بيدها متوسلا:(قولي إنك تمزحين. قولي إنك لم تتزوجي. قولي لي أي شيء غير ذلك). ولكن أصابعه لمست الدبلة فجذب يده بشدة وابتعد عنها قليلاً وهو ينظر إليها نظرة الحزن والغضب والحب الخائب.
واندفعت حنان تقول: (أنا شقية يا حازم. فلا تقس عليّ ولا تزد في شقائي. أواه! لو علمت كم قاسيت، وصبرت حتى مل الصبر. أرهف الله حساسيتي إلى حد المرض فلم أنعم في دنياي بسعادة. وكان شغفي بالمطالعة منذ فجر شبابي طريقاً إلى الشقاء، فقد غذيت عقلي وقلبي بأعلى المثل وأجمل الأحلام. فكانت صدمة الواقع قاسية وتبدُّد أوهامي مؤلماً. وغشيني هم من الناس فأخلدت إلى العزلة وانطويت على نفسي حتى أذواني السقم وشفني الهزال. وأزعج أمري والديّ ففزعا إلى الأطباء يرجوان لي علاجاً، ولكن هيهات أن ينجع دواء الجسد في شفاء النفس، فقررا آخر الأمر أن يزوجاني. واستقبلت حياتي الجديدة تهدهدني الآمال وتغمرني الأماني؛ فقد كان قلبي يهفو إلى دار هانئة يرعاها زوج حنون ويبهجها أطفال عزاز؛ ولكن جسدي العاثر كان يلاحقني فكنت كالظمأى في صحراء، أنشد السعادة وهي سراب.
أحببت زوجي لطبية أخلاقه، ولكنه كان يقتل حبي بإعراضه؛ فقد طغى عشقه لعمله على كل عاطفة. وما كان يعني بي أكثر من عناية الثري بتحفة تجمل بهو منزله. والله أعلم كم حاولت أن أوجد نفسي في حياته أثراً؛ ولكنه سامحه الله كان يعتقد أن سعادة المرأة أن تنعم بفاخر الزينة وأن تفوز بحرية التصرف. فنسي أن الزواج ألفة يوحي بها الحب المتبادل، وأن العشرة الخالصة لا تتحقق بغير صيانة هذا الحب. نسي أن الزواج شرّع للصحبة المشتركة والتعاون الوثيق فتصفو الروح وترقى الحياة. نسى أن ملاطفة المرأة والتودد إليها ليس مقدمة للزواج فحسب، بل عاملاً حيوياً في علاقة الزوجين. آه لو حاول الرجل أن يخبر زوجه فيحقق لها أحلام الصبا وسعادة الشباب، إذن لأحبته العمر ولظل سيدها الأوحد وسلطان قلبها المطلق، ولكن الرجل وا أسفاه لا يحاول فهم المرأة وإدراك حقيقة نفسيتها، ثم ينعتها بالبرود والأعراض، ولا يلبث الزواج أن يصبح واجباً يؤدى. وهكذا عشت مع زوجي لا أحبه ولا أستطيع أن أكرهه. عشت معه بقلب يغص بالخيبة والحسرة.